(خطاب الكراهية).. مفهومٌ ملغوم

آراء 2025/02/04
...

 د. هاني عاشور 

                         

لا جذور تاريخية محددة لبروز واستعمال مصطلح (خطاب الكراهية)، إلا أن استعماله شاع في العصر الحديث كأحد أساليب التعبير في الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو شخصا باعتماد أوليات متأصلة (مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي) بما يهدد السلم المجتمعي ويدفع للإيذاء أو ارتكاب جرائم.

ومع بروز دور الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان فقد وضعت تعريفا لمفهوم ( خطاب الكراهية ) حدّدته " بأي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الاثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية ".

لكن هذا المصطلح ومع تشابكه في السياسة الدولية اضحى ينطلق من مفاهيم جديدة بوصفه جريمة يعاقب عليها القانون سواء على المستوى الشخصي أو المستوى السياسي الاجتماعي، وقد تولد ذلك من خلال بعض الأفعال الاجتماعية والسياسية المشحونة بالعداء والاتهام والتشويه وإخفاء المعلومات الحقيقية بما يشكل أرضا خصبة لإنبات بذرة الكراهية والعدوانية المتجذرة.

وفي عالمنا الحديث ومع بروز التكنولوجيا الحديثة المتطورة والتواصل الرقمي شاعت بشكل كبير ظاهرة (خطاب الكراهية ) بما لا يمكن السيطرة عليه، حتى وصل الأمر إلى التحذير من برمجة ألعاب الأطفال الإلكترونية التي تبث روح العداء والانتقام والقتل عبر تلك الألعاب، وهو، بعد أن كان ذلك المجال قد تعدد وتنوع في المجال السياسي والاجتماعي. 

وحتى الآن لم يستطع العالم تحديد مفهوم جديد لـ(خطاب الكراهية) بما يفصل الأجزاء عن بعضها، ففكرة معاداة السامية انطلقت من ترسيخ مفهوم الكراهية بصورة جديدة فصوّرت كل من يناهض الفكر الصهيوني بأنه من المعادين  للسامية، حتى اضحى قتل الفلسطينيين بوحشية مبررا للرد على معاداة السامية، واصبح الرد الفلسطيني على الاحتلال والقتل والتهجير في المفهوم الغربي خطاب كراهية وفق المنهج الغربي اليهودي. 

وقد استطاع العالم الغربي وبالمال الصهيوني من تأليف لوبي إعلامي وسياسي ضخم يتبنى مواجهة الكراهية بينما يوغل في عدائيته داخليا في مجتمعاته وخارجيا في التحرك الدولي للضغط على أي تصاعد لأي أيديولوجية تخالفه وتصادمه لا سيما الإسلام وبالأخص الإسلام السياسي ويسيطر على أنواع الإعلام المختلفة من مرئية ومكتوبة ومسموعة بل وحتى في مجال الترفيه، وهو ما يمكن أن يوصف بالهيمنة الإعلامية التي وقع تحت وطأتها للأسف بعض إعلامنا العربي أيضا.

واستخدم الإعلام الغربي سلوكيات بعض الجماعات وخطاب بعض الأفراد في تغذية مشاعر الكراهية وإيجاد المبررات غير المنطقية لجرائمه ضد المجتمعات العربية والإسلامية، بل بلغ الأمر إلى اتهام أنظمة سياسية بمساعدة هذه الجماعات  وإصدار عقوبات دولية تحت عنوان خطاب الكراهية والتهديد ليؤكد أقواله ضد العرب والمسلمين مثلا، أو ضد الشعوب المناهضة للاستعمار الغربي والاستحواذ على ثروات الشعوب كما يحصل في أفريقيا مثلا وابرز شاهد عليه هو الاستعمار الغربي لجنوب أفريقيا والتمييز العنصري.

ويمكن إبراز امثلة على ذلك في مقتل حارق المصحف (موميكا) قبل أيام وكيف استغل الإعلام الغربي قضية مقتله كصورة للكراهية، دون أن يتبنى فكرة أن إحراقه للمصحف كان إعلانا للكراهية وبحماية من نظام الدولة التي حدث فيها فعله الشنيع.