بغداد: موج اياد
في عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي وتغزو فيه التقنيات الرقمية كل جوانب حياتنا، يواجه الخط العربي، أحد أعرق وأجمل فنون العالم، تحديات غير مسبوقة. فقد تراجعت الحروف العربية أمام الخطوط الرقمية التي أضحت متاحة للجميع عبر الأجهزة الذكية والبرمجيات الحديثة، ما أدى إلى تراجع الاهتمام بفن الخط التقليدي. هذا التراجع قد يهدد الحفاظ على هذا التراث الثقافي الغني، الذي تمتد جذوره لأكثر من 1400 عام.
في حديثه لـ"الصباح"، يرى الخطاط ثائر الأطرقجي أن الخط العربي، الذي يعد من أبرز الفنون الإسلامية والعربية، "مرّ بتحولات كبيرة على مر العصور. ففي الماضي، كان الخط يحظى بمكانة مرموقة كوسيلة لنقل المعرفة، إذ لم يكن مجرد أداة للكتابة فحسب، بل كان يعد تعبيرًا حقيقيًا عن الهوية الثقافية والدينية".
ورغم هذه التحديات، يرى الأطرقجي أن هناك إمكانيات كبيرة لازدهار الخط العربي إذا تم استغلال الأدوات الرقمية بشكل إبداعي. ففي رأيه، يمكن أن تفتح هذه الأدوات المجال لإعادة إحياء هذا الفن وتطويره بما يتناسب مع العصر الحديث، مشيرًا إلى أن التكنولوجيا قد تكون سيفًا ذا حدين، فهي قد تهدد الخط التقليدي، ولكن في الوقت ذاته يمكن استثمارها في نشره وإعادة تنشيطه.
من جانبه، يعبر الخطاط أسامة الأطرقجي، الذي ورث هذه الموهبة من والده الدكتور ثائر الأطرقجي، عن أهمية الخط العربي، مشيرًا لـ"الصباح" إلى أن التراجع الحاصل يعود إلى عوامل عدة مرتبطة بالتقدم التكنولوجي. ويرى أسامة أن انتشار الحواسيب والهواتف الذكية قد جعل من السهل إنتاج الخطوط الرقمية التي لا تتطلب مهارات عالية، ما أثر سلبًا في فن الخط التقليدي. كما يشير إلى أن معايير الذوق العام قد تغيرت نحو التصاميم العصرية، ما أسهم في تراجع الاهتمام بفنون الخط العربي لدى الأجيال الجديدة.
وفي هذا السياق، يؤكد الفنان والكاتب علي الدليمي لـ"الصباح" أن الخط العربي ليس مجرد أشكال جامدة، بل هو فن حيوي يمنح الروح لكل حرف. ورغم هيمنة البرمجيات الحديثة، يظل الخط العربي أقوى من هذه السطوة الرقمية. وأوضح الدليمي أن العمل الرقمي، رغم قدرته على إنتاج مجلدات ضخمة، يظل خاليًا من الروح، إذ يتم بسرعة ودون اهتمام عميق بالقواعد الفنية التي تميز العمل اليدوي.
الخطاط سعد عبد الستار، وفي حديثه لـ"الصباح"، يعتقد أن جمال الخط العربي لا يمكن أن يختفي خلف التكنولوجيا الرقمية، مؤكداً أن هذا الفن يحمل بعدًا حسيًا وروحيًا عميقًا لا تستطيع الآلات تقليده. ورغم أن عبد الستار تخصص في مجال بعيد عن فن الخط، فقد بقي شغوفًا بتعلمه منذ صغره. فقد بدأت محاولاته الأولى في مرحلة التعليم الابتدائي باستخدام كراسات الخط التعليمية، واستمر في تطوير مهاراته من خلال ورشات فنية خاصة.
عضو جمعية الخطاطين، الدكتور نايف العلاوي، يؤكد أن تقديس الخط العربي يرتبط بالحفاظ على الحرف في أصله الأول. حيث يرى أن التقنيات الحديثة مثل الفليكس والإعلانات الضوئية قد تسهم في اختفاء الهيبة الخاصة بالحرف العربي، ما يعرض جوهره ومعناه للخطر. العلاوي الذي يواصل ممارسة فن الخط رغم قلة الدعم الرسمي، أشار إلى أن اللجوء إلى الخطوط الرقمية يعود إلى توفرها المجاني وسهولة استخدامها، مقارنة بالأدوات الفنية الخاصة بالخط التي تتسم بارتفاع تكاليفها.
وفي ختام حديثه، دعا العلاوي إلى ضرورة النهوض بفن الخط العربي ودعمه بشكل أكبر، مشددًا على أهمية تخليد إرث الخطاطين الأوائل الذين بذلوا جهدًا كبيرًا للحفاظ على نهج الخط العربي الأصيل.