ذهبتُ قبل أيامٍ الى دار الكتب والوثائق بحثاً عن كتابين، ولقد عثرت عليهما، وتمكنت من الحصول على ما أريده منهما؛ وفي يومها كنت قد أهدرت نصف النهار في اختناقات الطرق ذهاباً وإياباً، ولم أمكث في قاعة القراءة سوى نصف ساعة؛ وإذا انتبهنا الى أنَّ هذه الدار لها دوامها الرسمي الذي ينتهي في ذروة اختناق الطرق حيث انتهاء الدوام الرسمي في جميع الدوائر الحكوميَّة، فإننا سنكون أمام محنة كبيرة قد تدفعنا للتراجع عن التفكير بالذهاب لهذه الدار، أو إلغاء فكرة البحث عن هذا الكتاب أو
ذاك.
لم يعد للمكتبات العامة أي أثر يذكر، فلا مكان يصلح للقراءة أو التصفح أو البحث عن مصدر قديم أو جديد؛ ففي شارع المتنبي يستطيع من يبحث عن كتاب أنْ يشتريه، لكن من يبحث عن معلومة في كتاب يحتاجُ الى وقت من التصفح لكي يتأكد من وجودها؛ كما أنَّ بعض الكتب الثمينة ليست للبيع فكيف بمن يحتاجها مصدراً يعزز به ما يريد؟ وأين يمكنه التصفح؟ فإذا ذهبنا الى شارع المتنبي سنجده متنزهاً بديلاً لمتنزه الزوراء، حيث القشلة التي قصمت ظهر الشارع ثقافياً، وهي المكان التراثي الذي من المفترض أنْ تكون فيه مكتبات عامة تفتح حتى في المساء، لكنها تحولت الى متنزه تنتشر فيه مكبرات الصوت ومجاميع من الشباب بين من يغني أو يتنزه مع أصدقائه، أو يستمتع بحفلة شعر شعبي! ونادراً ما نرى شخصاً من رواد القشلة يحملُ في نهاية نهار الجمعة كتاباً جديداً قد
اشتراه.
وإذا خرجنا من القشلة ودخلنا المركز الثقافي بقاعاته التي تحمل أسماءً لرموز عراقية لها منجزها الخالد، نجد هذا المركز هو للتنزه العائلي أكثر مما هو
للثقافة.
ربما يقول قائل: لكنَّ المكتبات منتشرة في الجامعات، فنقول إنَّ مكتبات الجامعات للجامعات، وليست لعامة الناس، وهي مثل دار الكتب والوثائق تحتاج الى هدر كبير في الوقت ذهاباً وإياباً - هذا إذا سمح لمن يبحث عن كتاب بالدخول الى مكتبات الجامعات - فأين المكتبات العامة التي كانت تنتشر في كل أنحاء البلاد ويقصدها جميع الناس، وهي أماكن لها اشتراطاتها من الهدوء وانعدام الحوارات الجانبيَّة، وعدم التدخين وما الى ذلك.
في كل جامعات العراق هناك خريجو قسم المكتبات في كليات الآداب، لكن عملهم صار كأنه مقتصرٌ على الجامعات ووزارة الثقافة؛ بينما نرى نشاطاً شبابياً يقامُ بين وقتٍ وآخر في فضاء مفتوح لتبادل الكتب، وأعني به النشاط الحيوي الذي يحمل اسم (أنا عراقي أنا اقرأ) فإلى المعنيين بهذا الأمر أقول: أنا عراقي أين
أقرأ؟