سعد صاحب
يلتقط الركابي موضوعاته الشعرية من تجارب الحياة الواسعة، بما فيها من أحزان وافراح وغربة واستقرار وموت وولادة وحلو ومر وماض وحاضر، ونزوح وعودة وسقوط ونهوض وتردد وشجاعة وحب وكراهية، ونسيان وتذكر وحرب وسلم وكفر وايمان ورواح ومجيء .
والأهم أنه يقدمها لنا بلغة شعرية جديدة، تواكب العصر والتطور والانفتاح والحداثة، تستند بشكل تام على مناظر الطبيعة الساحرة، والمباهج والاعياد والاشجان وقوة الخيال والعلاقات الرصينة، والفلسفة المبنية على الود والاحترام، وتوليد الرؤى المثمرة المفيدة، والانتباه للالوان المشرقة البهيجة في لوحة الاكوان، وزيادة الشكوك والتساؤلات عن احداث زماننا المبهمة، واستدعاء ذكريات دفينة تلح على العقل الباطن، وشحذ الحواس للترقب والانتظار ومطاردة الغامض المجهول، والتركيز على تحقيق بعض الامنيات المكبوتة، لاسيما الحلم الانساني العابر لجغرافيا الاوطان والتضاريس، والجرأة على القول في مختلف الاشياء .
(ذكريات مشگگه خيطتهه الذاكره وسوتها ثوب/ امعطر بريحة جنوبك/ ما تصورنه النهايه/ يلبس
النسيان ثوبك).
ما يحسب للشاعر في كل ما كتب، ان قصيدته لا تفسر تفسيرا واحدا، وانما تتعدد وجهات النظر المطروحة فيها، ولكل ناقد عدته الثقافية ومرجعياته الفنية، في التفسير والتأويل والاسقاط والكشف والاستبصار، وهذا دليل حيوية الصورة التي يصوغها بطريقة مبتكرة، تاركا المجال لخيال المتلقي لفهمها بطريقته الخاصة، وافضل ما قام به الابتعاد عن التصريح المباشر، او الاعلان الرسمي المتشدد عن ما يؤمن به من الافكار.
(كون روحي تصير نجمه/ وروحك الهه تصير يحبيب مدار/ تحتمل بعد المسافه/ والتشظي والكسر والانشطار/ وغفله منك تشتعل بالنار نار).
قيمٌ إنسانيَّة
المفردات المستخدمة في القصائد، تضج باللطف والعشق والوحشة والالم والفرح والتواصل، والقيم الانسانية والمثل العليا والمعنى الشعري للوجود، ويتجلى حضور الكلمات بشكل خاص، حينما يتحدث عن اوجاع الانسان الداخلية، المخفية عن الانظار، وعلى الرغم من حرارة هذه العوالم المثيرة، لم يقف عندها ويكتفي ويعلن الاعتزال، بل انه يصر على ادهاشنا بشكل مختلف، راصدا شتى الظواهر الحياتية المريبة، المرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الفرد واوجاعه المستمرة، وبتطلعاته البسيطة واحلامه الصغيرة، والسعي الحثيث لايقاف نزيف الضحايا، والقضاء على الصرعات الحضارية والدينية والحروب وحصول الجميع على حياة امنة سعيدة .
(معجزة عيسى كلامه البالمهد يحيي الاموات/ المعجزه اليتفرد الشاعر بأسمها/ الكلمات
بس الكلمات).
وهو واحد من المبدعين الاكفاء، الذين عاشوا في بيئة متصلبة ظالمة، لا تشجع الموهبة ولا تمدها بكل تدعيم مطلوب، واغلب الاباء السلطويون يقفون بالضد من كل مبدع، له صوته المميز، ومن كل توجه يتقاطع مع اراء السلف القدامى، وفي وسط الاجواء الخانقة يلوح لك نورا في نهاية الطريق، بهيئة موجه يشخص الاخطاء والعيوب، ويشير الى النقاط المضيئة في القصيدة، وعادة ما تكون البدايات عرضة للاخفاق والتشابه والفشل والقصور، ومجاراة لتجارب الشعراء الكبار، ومن ثم يتكون الصوت المنفرد الخالي من الشوائب.
(وردتين بغصن واحد/ بالربيع الراح گطعوا منهه اختها/ وهي داخت صابها المس/ ونست شكل الفصول/ ورده بين الثلج تمشي/ والثلج يمتد مسافات
وحقول).
غربةٌ مبكرة
الشاعر منذ الصغر تبدو عليه علامات الفردية والعزلة والاعتداد بالنفس والطموح، وذلك باختلافه عن بقية الاطفال في السلوك، فنراه منذ الخطوات الاولى للمسير في دروب الحياة الوعرة، يميل الى الصمت والتأمل والاعتكاف والوحدة والمغامرة والتقييم، والابتعاد عن الافعال التافهة الخالية من التفكير الخلاق، والتوجه برغبة شديدة صوب الالعاب الصعبة، الموقدة لجذوة العقل، والمحفزة خلاياه على الاستغراق في النشاطات الواعية .
وتشير دراسات علم النفس في هذا المجال : ان طفولة المبدعين تختلف في مظاهر كثيرة عن غيرهم، فحاجتهم للتعبير عن الذات منذ البداية اقوى، ودائما تجتذبهم الاشياء المجهولة، ويشغلهم طلب الايضاحات الملائمة لكل تجربة وسؤال وفكرة، وان التعبير المبكر عن الابداع غالبا ما يبعدهم عن الاصدقاء، مما يجعلهم يذوقون طعم الغربة والاغتراب مبكرا، بحسب الدكتور بول كورانس .
(للعمر وجهين وجه اول وثاني/ وجه الفرح والحب والصداقة والاغاني/ وجه بداخلك لليوم طفل متوحد/ وما يعرف بنفسه اش يعاني).