شباط.. والشعراء والصور

ثقافة شعبية 2025/02/06
...

كاظم غيلان 


تخبرنا مراجع اللغة بأن تسمية شباط اشتقاقاً من الفعل السرياني (شبط) الذي يعني الضرب والجلد، كما أنه يطلق على الهبوب الشديد للرياح . وكم صدقت المراجع في كشفها عن سوء شباط، الشهر الذي شغل حيز الفاجعة في ذاكرتنا الجمعية العراقية، فهو شباط الأسود الذي شهد استباحة العراق في العام ١٩٦٣، إذ راحت عصايات الحرس اللاقومي تعبث بمقدرات الناس، قطعان قدمت من خارج التاريخ برعاية وإعداد دوائر الغرب الأميركي البريطاني بحسب اعترافات أبرز قادة الانقلاب " علي صالح السعدي" . كم كانت الرياح مبكرة في هبوبها قبل موعد شباط وهي تحمل نذير شؤم يدفع بها لاقتلاع أبواب المحبة والسلام لتستبدلها بزنزانات تعذيب وحشي وسجون معتمة .

الحدس الذي لا يخطئ كان يعتمل بروح مظفر النواب إذ كتب قصيدته " جايتنه مزنه"في كانون الأول ١٩٦٢ على مقربة من شباط :

" خضري ياروحي،

اعله بختج،

هذا اخر شوك عدنه،

خضري وانطي شما بحيلج 

من ورد 

جايتنه مزنه 

انطي كل البيج 

للنسمه 

كبل مالريح 

يهزنه"

لم يكن ريحا ذلك العصف الوحشي، عصف بلا برق، اقتلع كل ما نبت من أغصان طريه نمت بشهوة الحب مغازلة شمس حرية أرادها شعب حلم بها طويلا وقارع لأجلها غول الفاشية الذي غرس أنيابه بكل جسد طاهر نقي . تركات مأساة شباط  أثقلت ذاكرة من عاشوها ومن اطلعوا على مجرياتها الدامية عبر مرويات التاريخ الحقيقي وليس التاريخ المزور الذي دونته الأقلام المأجورة المباعة والمشتراة .

رحيم الغالبي، الشاعر المبدع الذي كتب قصائده العامية المنتمية لحركة التجديد بقوة الموهبة والوعي، رحل عنا مبكراً في العام ٢٠١١ بمدينة الناصرية، عاش أحداث شباط بمدينة الشطرة وشهد فصول المأساة، وبحكم وقعها العنيف لازمته أمنية بشطب هذا الشهر من التقويم لكي لايتذكره فكتب :

"ياشعب اسمك مسافه 

من اول عيون البجي 

لآخر شفاف الغنه 

كون اشيل شباط 

من كل السنه " 

انحياز الشاعر لقضاياه الجوهرية واحد من اشتراطات سيرته الإبداعية، وهذه واحدة من مميزات رحيم الغالبي التي ما حملت في إيقاعاتها سوى النقاء، والتصدي لكل ثقافات العنف الذي امتد للثقافة كي يطمس الجوهري منها وينهض بالهامشي الذي نسمع زعيقه اليوم عبر  بضعة مهرجانات وفعاليات لا تشبه إلا رياح شباط الكريهة .

وتظل أمنية رحيم مستمرة. مثلما تبقى ذكرى شباط الأسود ملعونة(كل صباح  وكل مسيه).