إيريك رالز
ترجمة: شيماء ميران
ربما تكون قد سمعت خلال الفترة الماضية أن الأرض سيكون لها قمر آخر غير قمرنا الذي نعرفه منذ أن عرفنا ما يحيط أرضنا من شمس وقمر ونجوم، وتم تأكيد هذه القصة اليوم بأن الأرض بات لديها قمران بعد التقاط الكويكب الجرم الجديد الذي يطلق عليه اسم "PT5 24". إذ التقطت الأرض هذا الكويكب خلال الأشهر الماضية، وحولته إلى قمر صغير مؤقت.
وكان علماء الفلك من جامعة كومبلوتنسي في العاصمة الإسبانية مدريد قد رصدوا هذا الحدث المثير للاهتمام لأول مرة. وشارك "ريتشارد بينزيل"، عالم الفلك الذي يعمل ضمن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ببعض الأفكار حول هذه الجرم السماوية الزائرة لكوكبنا، وقال: "تتكرر هذه الأشياء باستمرار، لكن نادرا ما نراها بسبب صغر حجمها وصعوبة اكتشافها. ولم تصل قدرات المسح لدينا إلى نقطة الاكتشاف الروتيني لتلك الأجرام إلا مؤخرا".
فخلال منتصف الصيف الماضي تمكن فريق جامعة "كومبلوتنسي" من اكتشاف صخرة فضائية صغيرة باستخدام تلسكوب قوي يقع في ساذر لاند جنوب افريقيا.
توصف الأقمار الصغيرة بأنها كويكبات صغيرة تخضع لسيطرة الجاذبية الأرضية لفترة من الزمن، بما يسمح لها بالدوران حول الأرض قبل أن تبدأ بالحركة والانتقال، وتدور هذه الاجرام الصغيرة عادة حول الشمس مثل الكويكبات الاخرى، غير إنها عندما تقترب من الأرض بدرجة كافية، تتمكن الجاذبية الأرضية من سحبها إلى مدار أرضي مؤقت. ولكنها لا تبقى ضمن هذا المدار لفترة طويلة، فقد تتجول بضعة أسابيع او أشهر قبل أن تتحرر وتستمر في رحلتها المدارية حول الشمس. ويجد العلماء أن الاقمار الصغيرة مثيرة للاهتمام حقا لأنها تمنحنا فرصة لدراسة الاجسام القريبة من الأرض عن قرب ومعرفة المزيد حول كيفية عمل نظامنا الشمسي.
ضيافة قصيرة
وفقا لبيانات نظام هورايزنس التابع لمختبر "أنظمة الدفع النفاث" ضمن سلسلة مختبرات وكالة ناسا الاميركية، فإن بقاء هذا القمر الصغير كانت قصيرة. وقد بدأ الالتقاط المؤقت للقمر لمدة شهرين تقريبا قبل أن يتخلص من الجاذبية الأرضية ويغادر مدار كوكبنا في 25 تشرين الثاني من العام الماضي. ويتحدث العلماء عنه بأنه جزء من حزام كويكبات "آرجيونا"، وهي مجموعة من الأجرام الفضائية التي تتبع مدارات مماثلة لمدارات الأرض، وتبعد نحو 93 مليون ميل عن الشمس.
يمكن لبعض اجسام آرجيونا الاقتراب من الأرض على مسافة قريبة تبلغ ثلاثة ملايين ميل تقريبا وبسرعة منخفضة نسبيا
تقل عن 2200 ميل في الساعة. يوضح العالم "كارلوس دو لافونت ماركوس"، استاذ وخبير الأقمار الصغيرة في جامعة كومبلوتنسي" طريقة حركة مدار الأجرام الصغيرة بالقول إنه إذا كان القمر الصناعي الأرضي يدور حول الأرض في حركة دائبة كعامل الحركة المستمرة في المتجر فإن القمر المؤقت يمكن وصفه بأنه زبون يشتري البضائع داخل المتجر ثم يرحل تاركا العامل يدور بمفرده في ذلك المتجر، وهكذا فإن أجسام حزام آرجيونا من جملة المتسوقين ضمن مدار ذلك المتجر الصغير. وقد كتب هذا العالم مقالة عن موضوع الأقمار الصغيرة في مجلة وكالة ناسا قبل ظهور القمر بفترة. رغم أنه لا يبدو اكتساب الأرض قمرا ثانيا عاديا، لكن التقاطات الجاذبية هذه أكثر شيوعا مما نعتقد. لقد وثق العلماء رسميا "التقاطين قصيرين" سابقين، استمرا اسبوعا تقريبا ويقدر حدوثهما عدة مرات خلال مدة عشر سنوات تقريبا. وكان هناك ايضا حدثان نادران "لالتقاط طويل" لتلك الدورة.
وقد واصل القمر الضيف رحلته حول الشمس كجزء من عائلة أرجونا بعد زيارته القصيرة. غير أنه لن يبقى موجودا في موقعه ضمن الحزام لمليارات السنين كما هو الحال مع قمرنا الاساسي العزيز، ومع ذلك فإن وجوده العابر هو تذكير بالطبيعة الحركية لجيراننا الكونيين.
وأمطر الناس الوكالات الفضائية بالأسئلة الكثيرة عن امكانية رصد هذا القمر الصغير في السماء عند حلول الظلام. ولسوء الحظ، كان الضيف صغيرا جدا وبضوء خافت بالنسبة لنواظيرنا لدرجة لا تسمح برؤيته عبر تلك النواظي التقليدية. فجسم صغير جدا بهكذا حجم وبضوء خافت نسبيا هو هدف نموذجي بالنسبة للتلسكوبات ومناظير الهواة، ومع ذلك، فإن القمر كان قد اتخذ مساره ضمن نطاق سطوع التلسكوبات النموذجية التي يستخدمها علماء الفلك من المحترفين.
تقول مصادر الجامعة إنه كي نتمكن من مراقبة هذه الأجرام الصغيرة تلسكوبا بقطر لا يقل عن 30 إنجا إضافة إلى كواشف ضوئية دقيقة الحساسية وبغير ذلك لن تكون التلسكوبات المذكورة مساعدة للعين البشرية لتمييز الأهداف الفضائية.
المقارنة مع قمرنا
من ناحية الحجم، يبلغ قطر قمرنا 2159 ميلا تقريبا، في المقابل، يُعتقد أن القمر الضيف كان قطره 37 قدما فقط. ما يجعل قمرنا أوسع من هذا الكويكب الصغير بأكثر من 300 ألف مرة. وعلى الرغم من اننا لا نستطيع رؤيته والأجرام المماثلة بأنفسنا، لكن المعرفة بوجوده أمر مثير للغاية، فهو كضيف غير مرئي يشاركنا مدارنا لفترة
قصيرة.
ومع أن هذه الاقمار صغيرة، لكنها توفر فرصا كبيرة للعلماء لمعرفة المزيد عن الأجسام القريبة من الأرض. ويمكنّها من تقديم رؤى حول تكوين الكويكبات وديناميكيات نظامنا
الشمسي.
يقول بينزيل: "إن هذه الالتقاطات المؤقتة هي مختبرات كونية طبيعية. وتساعدنا على فهم الأجسام الصغيرة التي تقترب من الأرض وقد تكون مهمة لمهام الفضاء المستقبلية".
مع استمرار تلك الأجرام في رحلتها، ستبقى الأعين والتلسكوبات تراقب ما تلتقطه في السماء. فمن يدري متى يمر القمر الصغير التالي؟
ربما تسمح لنا التكنولوجيا المستقبلية بدراسة هؤلاء الزائرين العابرين عن كثب. ربما سنرسل إليهم يوما ما بعثات لجمع العينات او اختبار المركبات الفضائية الجديدة. وهكذا كان للأرض رفيق صغير يدور حولها لبضعة أشهر، وهي فرصة لكي ندرك بدهشة عجائب كوننا المتغير باستمرار والمفاجآت التي يحملها في طريقنا.
عن موقع إيرث دوت كوم earth.com