علي لفتة سعيد
لا يبقى الإنسان على حال أفكاره. تلك خصيصة تتطلبها الوقائع اليومية التي يعيشها الإنسان في مرور أعوامه، والتي تتحول فيها الأفكار من جهةٍ إلى أخرى. وهو أمرٌ ليس بغريب أبدا على الفكر الإنساني وعلى السلوك المجتمعي.
وهناك الملايين من البشر على مدى الحقب التاريخية، منذ الأسطورة حتى الآن، وقد انقلبوا على أفكارهم السابقة، وتحوّلوا إلى أفكارٍ جديدةٍ تأثروا بها نتيجة التفكير فيها، ومعاملتها على أنها جزءٌ من الخلاص.
وقد بدأ ربما قبل أنكيدو حين تغيّرت علاقته بجلجامش من عداوةٍ إلى صُحبة. والكثير من بعده من مفكّرين وساسةٍ ورجال دينٍ ومصاحبين للأنبياء والرُسل.
ليس الأمر مستغربًا أن تنقلب أو تتحوّل أو تتغيّر الأفكار. وربما يُعدّ أمرًا مستحسنًا في الكثير من الأحوال، لأن التحوّل قد يفضي إلى نتاج أفكارٍ جديدةٍ، قد تسهم في بناء مجتمعٍ أو مجتمعاتٍ، إن كانت الأفكار الجديدة أفكارًا إنسانية.
لكن الأمر لا يكون مصاحبًا للسلوك والتصرّف الذي قد يكون من أصعب مراحل الموافقة والقبول والتوافق مع المتغيّر الفكري، ويكون أمرًا صعبًا لكنه غير مستحيلٍ إن تطابقَت الأفكار الجديدة مع حدوث التغيّر في السلوك.
خاصةً إذا كان صاحب التغيّر في الأفكار قد كان قاتلًا مثلًا، أو أنه يترأّس جماعةً تقتل، ليس لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ في المقاومة والمواجهة، بل لتحقيق أهدافٍ ليس لها علاقة بالمواجهة كمعارضةٍ مثلًا لتغيير حكم.
بل يُحارب أفكارًا لآخرين يعتقد أن عليه واجبَ التخلّص منها والقضاء عليها لأنها تقف حجرَ عثرةٍ في طريقه.
وتلك موضوعةٌ أخرى؛ فالعقل هنا قد تسبّب بإزهاق أرواحٍ نتيجةً للاختلاف مع الأفكار التي يحملها، والتي اقتنع بها عقودًا، ومارس فيها عمليات التصفية في هذا المكان أو ذاك، وهو ما أدّى إلى فوضى الموت ورُهاب الإرهاب.
لكن ليس كل شيءٍ مستحيلًا في التغيّر، إن كانت النوايا والأفكار الجديدة هي صاحبة المتغيّر، وليس تغيير الوجه واللغة المخاطبة والخضوع لإراداتٍ أخرى.
ولكن هل الأمر مستحيلٌ جدًّا؟
إن الإجابة على السؤال تعيدنا إلى ما حصل في التاريخ الذي فيه أمثلةٌ لا تُعدّ ولا تُحصى، بعضها أكّد صدق متغيّراته، والآخر تبيّن أنها كانت وسيلةً للحصول على المكاسب، وخاصةً تلك المتغيّرات التي تحصل بعد الوصول إلى السلطة.
لأن الذين نجحوا لم يصلوا إلى السلطة بل تغيّروا، وبعضهم اعتكفوا لممارسة ما توصّلوا إليه من أفكارٍ مخالفةٍ لما كانوا يحملونه.
بمعنى أن الهدف من التغيير يُصاحبه في أغلبه النكوص أو التحوّل إلى واقعٍ سياسيٍّ أو دينيٍّ يُجاهر به، لكن القلّة من نجحوا في تطبيق المتغيّر حين وصلوا إلى السلطة.
فهل يمكن الركون إلى المتغيّر الذي حصل في سوريا ووصول المتغيّر بالأفكار إلى السلطة؟
إن هذا السؤال يُحيلنا إلى تشبيهٍ أو وصف الحالة التي تعني أفكار الجولاني أو سلوك الشرع.
لأن الوقائع لم تفضح بعد أن المتغيّر قد حصل. فكل ما هو موجود عبارةٌ عن بروتوكولاتٍ استقباليةٍ، صاحب السلوك تغير الملبس، فيما هناك أذرعٌ أخرى تمارس فعّاليات الأفكار القديمة، التي تعني تطبيق التصفيات من خلال عمليات الاغتيال أو التفجيرات أو حتى المواجهات المسلحة مع الطرف الآخر.
ربما لم نصل بعد إلى الجواب، وربما هناك من يعتقد أن المتغيّر قد حصل، باعتبار أن الوصول إلى السلطة مع الفاعل الدولي والفاعل الذي أسقط النظام وأوصل الجولاني/ الشرع إلى السلطة، لم يزل هو الذي يقود الحراك المتغيّر.
لكنه جوابٌ مشوبٌ بالحذر، إلّا حين يتطابق التغيير في الأفكار مع السلوك الذي يتطلبه الواقع الجديد.
لأنه في أيّة لحظةٍ قد تصطدم الوقائع ويتم رفع المسدس للتعبير عن طريقة الاحتجاج التي وقعت في لحظة الشعور، أن هناك صدمةً جديدةً قد تطيح بالمكان والمكين أو حتى عملية استفزازٍ فكري.
إن الأمر بحاجةٍ إلى برهانٍ على أن المتغيّر بين العقل والمظهر، بين الفكر والسلوك، هو سلوكٌ جديدٌ، يرافق الأفكار الجديدة، يبدأ بمعالجة البنية التحتية للوسط الذي كان فيه، لكي ينتقل إلى الوسيط الكلّي من أجل البناء الجديد وفق الأفكار الجديدة.