سبعة فنانين تشكيليين يحتفون بالذكرى الستين لرحيل السياب

ثقافة 2025/02/11
...

 عدنان حسين أحمد


لمناسبة مرور 60 عامًا على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب نظّمت صالة "فِناء آرت" بلندن معرضًا مشتركًا لسبعة فنانين تشكيليين انضوى تحت عنوان "السياب" للمدة من ( 7 - 10شباط/ فبراير 2025). وهم "د. علاء بشير، فيصل لعيبي، علاء جمعة، مزاحم الناصري، سالم مذكور، زيد الفكيكي، والتشكيلية القطرية عائشة السليطي". اشترك د. علاء بشير بثلاث لوحات أسماها جميعًا "السياب" وهي، كالعادة، لوحات يتعالق فيها الفن مع الثيمات الفكرية. فلوحة "السياب 1" ترصد فقدان الشاعر لحنان الأم التي غادرته مبكرًا، ويمكن ترحيل الدلالة الرمزية إلى فقدان حنان النساء اللواتي أحبّهن أو توهّم بحبهنّ فلا غرابة أن يحيط الفنان ثلاثة أوجه للسياب بشكل الأنثى التي طوّقتهُ من كل الجوانب وحَدبت عليه. أمّا لوحة "السياب 2" فتمثل صَدَفة أو مَحارة تصنع الدُرّ أو اللؤلؤ على الرغم من ضعف سائلها الهلامي الذي يذكِّرنا بضعف السياب وهشاشته البدنية لكن موهبته الكبيرة قدّمت لنا عشرات القصائد الخالدة التي تضاهي الدُرر في قيمتها الشعرية التي لا تغادر ذاكرة القرّاء بسهولة. فيما يذهب الفنان في لوحة "السياب 3" إلى المقارنة بين البصر والبصيرة حيث رصد في القسم السفلي من متن اللوحة أعين السياب الحقيقية التي نمتْ وتطورت من العين الواحدة الصغيرة التي سوف تتسع قليلًا في العينين اللاحقتين اللتين سوف تكبران في المرحلة الثالثة التي يتدرّج فيها البصر وتتسع الرؤية. أمّا العين الكبيرة المهيمنة في أعلى التكوين فهي كبيرة جدًا لأنها تمثل بصيرة السياب الواسعة والعميقة في آنٍ معًا. ولا غروَ في أن يسيّد السياب البصيرة العميقة المٌرهفة على البصر الذي يشترك فيه غالبية الناس إن لم أقل كلهم.

لم يغادر الفنان فيصل لعيبي أسلوبه التشخيصي المعهود ولكن رصّعه بالتنقيطية هذه المرة لكي يُحيلنا إلى المطر أو يُذكرنا فيه على الأقل. وقد استوحى لوحتين من قصيدة "أنشودة المطر" والثالثة من ديوان "منزل الأقنان". وقد رصدت هذه الأعمال الفنية حالتيّ الفرح والحزن، والصحة والمرض، والأمل واليأس لكن القنوط قد هيمن على حياة السياب لأسباب صحية وسياسية وعاطفية دفعتهُ لأن يتيه في ثنائية الوجود والعدم. ليس صعبًا على المتلقي أن يتابع العملين الفنيين المُبهجين اللذين استوحاهما من "أنشودة المطر" ولكن الصعوبة تبرز أمام اللوحة التشخيصية الثالثة التي يقول مطلعها "لك الحمد مهما استطال البلاء، ومهما استبدّ الألم" التي تضعنا أمام دائرة الذُعر والفزع وسؤال الموت الذي لا مفرّ منه.

اشترك الفنان علاء جمعة بثلاث لوحات أيضًا تنتمي إلى المدرسة الواقعية التي يتبناها منذ بداياته الفنية وحتى الآن. وقد استوحى لوحته الأولى من قصيدة "جيكور شابت" التي يستعيد فيها مرتع طفولته وصباه، ولوحته المعبّرة الثانية التي استمدها من "مرثية السياب" التي كتبها الشاعر الراحل    سعدي يوسف التي يقول فيها:"يا أُمُّ مَنْ لا أُمَّ تغمضُ جفنه كوني رداءه". أمّا العمل الثالث الذي استوحاه من قصيدة "شبّاك وفيقة" الذي استدعى من خلاله السياب من دون العودة إلى صورة السياب ومظهره الخارجي. وهذا الأمر ينسحب على الفنان مزاحم الناصري الذي رسم لنا لوحتيّ "بويب 1 " و "بويب 2" ليستحضر لنا السياب من خلال النهر الصغير وبساتين النخيل التي تحفّه من كل حدب وصوب.

لم يخرج الفنان سالم مذكور من إطار التشخيصية والنهج الواقعي الذي يقدّم فيه صورًا نمطية ألفناها في الصحف والمجلات وأغلفة الدواوين المنشورة. أمّا النحات زيد الفكيكي فقد اختار لنا منحوتة للسياب وهو في ذروة صباه قابضًا على كتاب في إشارة واضحة إلى شغفه بالقراءة وولعه المعرفي الذي لم ينقطع طوال حياته القصيرة التي استمرت 38 سنة قدّم فيها ما لم يقدّمه البعض من المبدعين طوال قرن من الزمان.

أمّا مفاجأة المعرض فهي الفنانة التشكيلية القطرية عائشة السليطي التي اشتركت بعملين؛ الأول مستوحى من قصيدتيّ "الليل والسوق القديم" و "أنشودة المطر" التي استدعت من خلالهما شخصية السياب من دون العودة إلى صورته وملامحه الخارجية المعروفة لدى محبّيه وقد شكّلت الغيمة السوداء حلقة الوصل بين رُكنيّ السوق القديم الذي يحتضن معزوفة المطر التي استقاها من قراءاته السابقة لقصيدة "ما يزال يهطل المطر" للشاعرة البريطانية إيديث ستويل. أمّا منحوتة الكرسي فتحتاج إلى مناسبة أخرى لأنها تشكّل امتدادًا واسعًا لمشروعها الفني الذي يدور حول ثيمة الكراسي شكلًا ومضمونًا. والسليطي معروفة بأسلوبها الواقعي التجريدي ولمساتها الانطباعية التي لا تخفى على المُتلقي الحصيف.

لم ينتهِ البرنامج عند حدود المعرض التشكيلي المشترك وإنما يتعداه إلى ندوتين ثقافيتين يحاضر فيهما الشاعر والمفكر السوري أدونيس، والشاعر والناقد العراقي عبدالكريم كاصد يوم 8 فبراير 2025، تقدمهما وتدير الندوتين الشاعرة العراقية دلال جويد. كما ستقرأ الإعلامية والشاعرة السورية آلاء أبو الشملات بعض القصائد الشهيرة للسياب مثل "النهر والموت" و "غريب على الخليج" و "أنشودة المطر".

وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أنّ هذا النشاط الفني والثقافي هو الأول من نوعه يتميز بالحِرفية العالية، واختيار المكان المناسب الذي يقترب من التحفة العمرانية التي يليق بها أن تحتضن معرضًا تشكيليًا من هذا النوع يتعانق مع دراسات نقدية رصينة وقراءات شعرية جميلة تأخذ بالألباب وتحرّك مشاعر الناس وتلامس أحاسيسهم الداخلية المُرهَفة.