الهروب إلى الجغرافيا

قضايا عربية ودولية 2025/02/11
...

علي حسن الفواز




تكشف سياسات الكيان الصهيوني عن إجراءات عنصرية، وعن توجهات تجعل من تلك السياسات منفلتة، ومكشوفة على وقائع وصراعات مشوهة، وعن أوهام تجعل من الجغرافيا هدفا لتكريس توجهاته الاستيطانية، وعن نزعاته الإكراهية التي تستهدف الأمن القومي لكثير من الدول العربية، والتغطية على الاحتلال وجرائمه في غزة، وفي جنوب لبنان وفي المخيمات وحتى في سوريا.

الهروب إلى الجغرافيا خيار ماكر، لتمرير سياسات تغييب الحق الفلسطيني، وتحويل موضوع السلام وحل الدولتين إلى خدعة دولية، وإلى نقائض مضللة، تتوزع بين تسويغ شرعنة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وبين تحويل الأرض الفلسطينية إلى جحيم، وبالتالي اللجوء إلى فرض سياسة العنف والتطهير العرقي، وإفقاد الوجود الفلسطيني هويته، ومشروعية علاقته بالأرض والتاريخ.

تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تفريغ أراضي غزة، وتهجير أهاليها إلى مصر أو الأردن، ليست بعيدة عن تصريح "نتن ياهو" رئيس وزراء الكيان حول التهجير إلى الأراضي السعودية، فهذه التصريحات تدخل في إطار سياسة التحريض، وخلط الأوراق، والدفع باتجاه وضع الأمن القومي العربي أمام تحديات كبيرة، فضلا عن التمادي في التجاوز على الحقوق الفلسطينية.

لاقت هذه التصريحات ردود أفعال حادة، ومواقف فضحت نوايا الكيان الصهيوني وسياساته، مثلما كشفت عن المخفي في المواقف الدولية، في التعاطي مع موضوعات إشكالية مثل "الشرق الأوسط الجديد" و"ممرات الغاز" و"التطبيع" و"تغذية الصراع الأهلي"، بالاتجاه الذي يجعل من هذه المواقف والسياسات تغطية على رفض إقامة دولة فلسطينية لها حدودها وسيادتها، على وفق قرارات ومواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

فضيحة البحث عن الجغرافيا البديلة، فتحت الباب على خيارات جديدة في المنطقة، وعلى مفارقات تدفع إلى إثارة مزيد من الصراع في المنطقة، لاسيما بعد المتغيرات المعقدة فيها، التي جعلت من توجهات الكيان الصهيوني منطلقا لتكريس سياسات الفرقة والتشظي، ومن السيطرة على الأرض مجالا للسيطرة على التاريخ، لأن سردية التهجير تحمل معها سرديات أخرى تخصّ توصيف الهوية والمكان، مثلما تخصّ توصيف الحقوق التاريخية والقانونية والسيادية للشعب الفلسطيني، إذ إن التعمد في غيابها يهدف إلى تغييب الذاكرة، وإلى تكريس ظاهرة الخطر الوجودي، وفوبيا الانتهاك الثقافي، والتاريخي، وكل ما يخص أسس الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، فضلا عن صرف النظر عن تغييب الحقائق والحقوق، والمسؤولية الدولية إزاء الجرائم والسياسات العنصرية التي يرتكبها الكيان الصهيوني.