بغداد : مقتدى أنور
في الوقت الذي يقوم فيه رجال المرور بأداء مهامهم في ظروف قاسية واستثنائية، يواجهون في المقابل اعتداءات لفظية وجسدية من قبل بعض الأفراد الذين يجهلون القانون أو يتعمدون استخفافه. هذه الظاهرة باتت تثير موجة من الغضب في المجتمع، ما دفع الكثيرين للمطالبة بإنصاف رجال المرور من خلال تشريع قوانين أكثر حزماً وصرامة، لتكريس العدالة وحماية هؤلاء العاملين الذين يسهمون في حفظ الأمن والنظام.
يروي المواطن حسين عصام حادثة اعتداء على شرطي مرور أمام مرأى الناس قائلاً: "في أحد الأيام وفي طريق عودتي إلى المنزل قرب مستشفى الكرخ، لاحظت سيارة نوع BMW تسير عكس الاتجاه، فاعترضه رجل المرور، وبعد مشادة كلامية من الطرفين حاول السائق دهس شرطي المرور لاعتراضه الطريق وتطبيقه القانون".
الخبير الأمني الدكتور معتز محيي الدين أكد في حديثه لـ"الصباح" أن الفترات الماضية شهدت ضعفًا في تنفيذ القوانين بحق المعتدين على رجال الأمن بمختلف صنوفهم، وأن هذه الحالات تصاعدت في الآونة الأخيرة بسبب غياب الردع القانوني وعدم وجود حماية كافية لرجل الأمن.
وأشار لـ"الصباح" إلى أن هناك جماعات مسلحة تعتدي على رجال الشرطة ورجال المرور في الشوارع، لكن هذه الحالات لا يتم الإعلان عنها لدواع أمنية.
وأضاف محيي الدين أن العنف المجتمعي أصبح ظاهرة شائعة في العراق، وله تأثيرات سلبية في مختلف القطاعات والمجالات. ورغم تنوع أشكال ومستويات العنف، فإن أخطرها هي تلك الموجهة ضد أصحاب المهن التي تتطلب احتكاكاً يومياً مباشراً مع المواطنين. وأوضح أن الصورة النمطية التي رسمت عن هذه المهن تلعب دوراً سلبياً في التأثير على الرأي العام، حيث يُنظر إلى أصحابها بصورة سلبية دون التمييز بين أفراد ملتزمين بالعمل وآخرين قد يسيئون التصرف.
وشدد على الجهات الأمنية ووزارة الداخلية أن تتحمل مسؤولية حماية منتسبيها، كما أن القضاء يجب أن يتخذ إجراءات أكثر صرامة بحق كل من يتجاوز على رجال المرور أو أي فرد من أفراد الأجهزة الأمنية الأخرى، وذلك للحد من تزايد هذه التجاوزات والاعتداءات. وأكد محيي الدين أن استمرار هذه التصرفات يضعف هيبة الأجهزة الأمنية ويؤثر سلباً في قدرتها على تنفيذ القانون.
أوضح الخبير المروري العميد المتقاعد عمار وليد أن وزارة الداخلية تهتم بتطوير الملاكات المرورية، حيث تقوم بتنظيم دورات تدريبية تشمل الجوانب العسكرية والتثقيفية، بالإضافة إلى تدريبهم على قانون المرور وكيفية التعامل مع حوادث السير. ومع ذلك، يواجه رجال المرور العديد من التحديات أثناء أداء واجبهم، إذ إنهم من أكثر الأجهزة التي يتعامل أفرادها مع الجمهور بشكل مباشر، ما يجعلهم عرضة للصعوبات اليومية.
وأشار لـ"الصباح" إلى أن قانون المرور يوفر حماية لرجال المرور من الاعتداءات والتهديدات التي قد يتعرضون لها أثناء تأدية عملهم. ومع ذلك، لا يزال بعض المخالفين يتعاملون بعدائية مع رجال المرور عند تسجيل المخالفات بحقهم، معتقدين أنهم تعرضوا للظلم.
وأضاف وليد أنه من المفيد استخدام كاميرات المراقبة للحد من الاعتداءات على رجال المرور، حيث تسهم هذه الكاميرات في توفير أدلة موثقة تمنع السائقين من الادعاء بتعرضهم للظلم أو تسجيل المخالفات بحقهم بدون وجه حق. فعندما تكون المخالفة موثقة عبر كاميرات المراقبة، يصبح من الصعب الاعتراض عليها، ما يضمن تحقيق العدالة وحماية رجال المرور أثناء أداء عملهم.
يرى مدير المرور العام اللواء عدي سمير، أن بعض الأشخاص الذين يجهلون القانون ويفتقرون إلى الثقافة المرورية، يتعاملون مع رجال المرور بتصرفات غير لائقة، مضيفاً لـ"الصباح" أن "هذه التصرفات قد تؤدي إلى حالات من الاحتكاك أو التجاوز على رجل المرور، حيث يفقد المعتدون تمالكهم لأنفسهم، متصورين أنهم فوق القانون. ولكن قوة القانون تضمن كرامة رجال المرور، وتوفر لهم السلطة الكافية للقصاص من المعتدين عليهم".
وأشار اللواء عدي إلى أن المادة 38 من قانون المرور العراقي تنص على الحبس لمدة لا تقل عن 3 أشهر لكل من يهين رجل المرور، بينما تكون مدة الحبس لمدة لا تزيد على سنة لكل من يعتدي على رجل المرور. كما أن الحبس الشديد يُفرض في حال حدوث جرح أو تمزيق ملابس رجل المرور. وقد حدد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل العقوبة لتصل إلى الحبس لثلاث سنوات في بعض الحالات.
وأضاف مدير المرور العام، أن وزارة الداخلية تعمل جاهدة على الحد من هذه الظاهرة، وكان لوزير الداخلية عبد الأمير الشمري موقف صارم تجاه أي اعتداء من خلال تشجيع رجال الشرطة على إقامة الشكوى ضد المعتدي وعدم التنازل عنها. كما ألزم الوزير أجهزة وزارة الداخلية بالتدخل المباشر في حال حدوث أي اعتداء ضد رجال المرور.
وتابع اللواء عدي سمير بأن مديرية المرور أصدرت تعليمات جديدة، إذ أصبحت الشكوى ضد المعتدي تتم من قبل الدائرة نفسها، وذلك لضمان الحق العام، إضافة إلى حق الشكوى الشخصي لرجل المرور. وأشار إلى وجود دعم مؤثر من المواطنين لرجال المرور في حال تعرضهم لأي اعتداء، ما يعزز حماية هؤلاء العاملين في ميدان تطبيق القانون.