د. محمد وهاب عبود
في عصرنا حيث تتسارع فيه وتيرة الأخبار وتتداخل فيه الحقائق بالأكاذيب، أصبح الإعلام ساحة حربٍ ضروس، حربٌ تُدار فيها المعارك بالكلمات والصور، حربٌ يكون فيها الجمهور هو ساحة المعركة، وعقولهم هي الهدف. هذا يضعنا أمام تساؤل جوهري: كيف يشكل الإعلام تعقيدات المشهد السياسي ؟ وهل هو منارة تنير الدرب نحو الحقيقة أم أداة تضليل تقودنا صوب الهاوية؟
بدءاً، لا يمكن إنكار الدور المحوري الذي يؤديه الإعلام في تشكيل المشهد السياسي. فهو ليس مجرد ناقل للأخبار، بل هو صانع للرأي العام، وموجه للأنظار، ومحدد للأجندات. يختار الإعلام ما يراه مهماً، ويبرز ما يخدم مصالحه، ويخفي ما يتعارض معها. وبذلك، يتحول إلى قوة مؤثرة في تحديد مسار الأحداث وتوجيه القرارات السياسية.
بيد أن السؤال هو: هل الإعلام مرآة تعكس الواقع كما هو، أم أنه أداة لتشكيله وتوجيهه؟ الإجابة ليست يسيرة، فالإعلام يؤدي دوراً مزدوجاً، فهو من ناحية يعكس الواقع، وينقل الأخبار، ويكشف الحقائق، ومن ناحية أخرى، يساهم في تشكيل هذا الواقع، من خلال اختيار الأخبار التي يبثها، والطريقة التي يعرضها، والتعليقات التي يضيفها عليها.
وفي هذا السياق، يبرز مصطلح "التضليل الإعلامي"، الذي يشير إلى استخدام الإعلام لنشر معلومات كاذبة أو مضللة، بهدف التأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو اتجاه معين. والتضليل الإعلامي ليس بالضرورة أن يكون كذباً صريحاً، فقد يكون مجرد تضخيم لأخبار معينة، أو تجاهل لأخبار أخرى، أو تحريف للحقائق، أو استخدام للغة عاطفية ومثيرة، أو بث للشائعات والأكاذيب.
أما "التنوير الإعلامي"، فهو الوجه الآخر للعملة، إذ يشير إلى استخدام الإعلام لنشر معلومات صحيحة وموثوقة، بهدف تنوير الجمهور وتوعيته، وتمكينه من اتخاذ قرارات مستنيرة. والتنوير الإعلامي يتطلب من الإعلاميين أن يكونوا موضوعيين ومحايدين، وأن يتحروا الدقة في نقل الأخبار، وأن يقدموا تحليلات عميقة وشاملة للأحداث، وأن يفسحوا المجال لآراء مختلفة ومتنوعة.
في العصر الرقمي يشهد الإعلام تحولات بنيوية، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسة للأخبار والمعلومات، وأصبح الجمهور مشاركاً فعالاً في صناعة المحتوى ونشره. هذه التطورات تحمل في طياتها فرصاً وتحديات. فمن ناحية، تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للجمهور فرصة الحصول على معلومات متنوعة ومختلفة، والتعبير عن آرائهم بحرية، والتفاعل مع وسائل الإعلام بشكل مباشر. ومن ناحية أخرى، تزيد من انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة، وتعمق الانقسام والاستقطاب في المجتمع، وتجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والوهم.
إن الإعلام قوة هائلة، يمكن أن تكون أداة للتنوير والتثقيف، ويمكن، في الوقت ذاته، أن تستخدم كأداة للتضليل والتلاعب. وفي الحالة الراهنة، يصبح من الضروري على الجمهور أن يكون واعياً ومسؤولاً، وأن يتحقق من مصداقية الأخبار والمعلومات التي يتلقاها، وأن يفكر بشكل نقدي في الرسائل الإعلامية التي يتعرض لها. فالإعلام ليس مجرد نافذة على العالم، بل هو جزء من هذا العالم، ومسؤولية المتلقي أن يكون جزءاً من الحل، لا جزءاً من المشكلة.