طالب سعدون
ما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب الثانية هو (انقلاب صامت) أو (سلمي)، اذا جاز التعبير بدون مدفع أو طائرة أو دبابة تقتحم البيت الابيض.
انقلاب (ترامبي) هو أقرب إلى التغيير منه إلى انتقال السلطة من رئيس إلى آخر (بطريقة سلمية) عن طريق الانتخابات كما هو حال الرؤساء الآخرين ممن سبقه.
يبدو أن ترامب في عجالة من أمره لوضع الأساس لهذا التغيير فلخص افكاره ومنهجه الجديد في خطاب التنصيب يوم العشرين من كانون الثاني الماضي والاوامر التي اصدرها للتنفيذ بما في ذلك الغاء قرارات سلفه بايدن، الذي اخذ نصيبه من الهجوم عليه دون اي اعتبار لوجوده في حفل التنصيب. خطوات سريعة متلاحقة تنبئ بان ولاية ترامب الثانية قد تكون نهاية مرحلة وبداية اخرى تسجل باسمه..عنوانها الرئيس التحرر من الارث الامريكي الطويل وتقاليد الحكم والعلاقات بين الدول لتكون امريكا كما يريد، تفرض سيطرتها على العالم وتعمل ما يحلو لها وبما يتوافق مع اطماعها، متناسيا أن هذا محال اليوم بوجود قوى كبيرة أخرى فاعلة ومؤثرة.
هناك عوامل كثيرة تشجع ترامب على السير في منهجه في مقدمتها توافق الحكومة والتشريع والرقابة، ما يقلل من حجم المعارضة فهو يتمتع هذه المرة بحرية لاحداث هذا التغيير في ظل السيطرة من خلال حزبه (الجمهوري) على المؤسسات التشريعية والرقابية وعلى المؤسسات الحكومية. فلم يعد يكثرث كثيرا لمبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بين المؤسسات فهي كلها تحت سيطرته وحزبه، ولذلك لم يرحع إلى المؤسسة التشريعية في إصدار أوامره التنفيذية.
كان بإمكانه الرجوع إلى الكونغرس وله اغلبية بمجلسيه ليضفي الصفة القانونية عليها (300 قرار رئاسي)..لكنه لم يفعل ذلك فلم يأخذ باسلوب الرئيس في اصدارها خلال فترة قصيرة وسريعة، بل بطريق رجل الاعمال وكأنه يدير شركة من شركاته أو يتصرف بملكية عقارية آلت اليه بالشراء أو البيع. لم يعر ترامب اهمية للاعتراضات في العالم وهي إلى الآن لا تتعدى الرفض والتحذير من عواقب كارثية لما اقدم عليه ليس على المنطقة بل العالم.. ومع ذلك هناك من انجر إلى هدفه واسلوبه وسعيه في (التغيير) (بدون وعي أو تقدير لعاقبة هذا (الاهتمام ) الممزوج بالخوف والتوجس، فأخذ يضفي عليه هالة القوة و (العظمة) ويضع على رأسه تاج (الامبراطورية).
فأخذ يتصرف (كامبراطور) و(الآمر الناهي) على العالم دون اي اعتبار لسيادة الدول، والإعلام (بوعي أو بدونه) يلاحق تصرفاته.. وهو المحور والضيف المهم في التحليل والراي والاهتمام والمتابعة ولا تكاد نشرة اخبار على مستوى العالم تخلو من خبر عن ترامب .
خطوات سريعة واوامر وتصريحات متلاحقة.. (يهدد ويخطط ويتوعد).. يضم هذه الدولة أو تلك إلى (امبراطوريته)، ويعطي الحق لنفسه في اقتراح تهجير سكان غزة والسيطرة عليها (بقناع عقاري جميل) هو تحويلها إلى (ريفيرا) الشرق الاوسط بعد اخلائها من سكانها، وكأنها (ضيعة) من ملكه أو عقار يمكن انتقال ملكيته من مالك إلى آخر بالبيع أو الهبة، عندما قال على منصته (سوشال تروث) إن (اسرائيل) ستسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة عند انتهاء القتال. وكأنها تستبدل احتلالا باحتلال اخر وعنصرية بتمييز عنصري أكبر.
نعم غزة (ريفيرا) ولكن بمقاومتها وأهلها وصمودها وتاريخها، هي هانوي المقاومة في هذا الزمان، ازاء ما طرحه ترامب من برامج كثيرة واحلام بعيدة ورؤية جديدة لامريكا والعالم، لا يمكن ان يحققها في ولاية واحدة غير قابلة للتمديد بموجب الدستور الامريكي وتعديله (اذ لا يجوز تولي الحكم لأكثر من عهدين سواء منفصلين أو متصلين كما هو الحال مع (ترامب) ومن قبله (غروفر كليفلاند). ومع ذلك هناك من لا يستبعد ذلك فيكون ترامب الثاني بعد فراكلين زوزفلت، الذي حكم اكثر من ولايتين (1933 إلى 1945) لأن الدستور الامريكي لم يحظر تولي الحكم لاكثر من ولايتين ولكنه (عرف) يحصرها بولايتين تأسيا باول رئيس (جورج واشنطن)، الذي رفض الولاية الثالثة له فصار ذاك عرفا، وعندها يكون ما اطلقه ترامب في حملته الانتخابية في الولاية الأولى، عندما أبدى إعجابه يومذاك بتجربة الصين التي تخول الزعيم شي جين بينغ بان يكون رئيسا مدى الحياة بعد الغاء تقييد الرئاسة بمدتين ليس مزحة، بل حقيقة كان يقصدها، وربما يسير على خطاه رئيسا مدى حياته اذا ما نجح في تغيير الدستور.
كل شيء جائز في عالم السياسة اليوم، وعند ترامب بالذات (رجل المال وتاجر العقارات)، وكأن كل ارض عنده هي عقار معروض للبيع أو الشراء أو الاستثمار، خاصة ونحن في بداية مشوار ولايته الجديدة.