الهجرة إلى الفراغ

قضايا عربية ودولية 2025/02/16
...

علي حسن الفواز


حسابات السياسة لا تشبه حسابات البيدر، وسياسات الغرب لا تشبه حسابات حقول الفلاحين، لأن ما يحكم الأولى هو المصالح، وما يحكم الثانية هو النوايا الطيبة، وعلى نحوٍ يجعل من هذه المفارقات محكومة بسرديات تجعل من حكاية السيطرة على البيدر نظيراً للسيطرة على حقل السياسة.

تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة تشبه التفكير بعزل البيدر عن الحقل، وبما يجعل الفراغ هو العلامة الكبرى على نزع هوية المكان والمكين، وإعادة صياغة المواقف السياسية على وفق الرهان على تشويه مواقف الحلفاء، أو فرض ذلك التشويه على الحلفاء، لأن بروباغندا السيد ترامب تعتمد على إعادة توصيف الجحيم، وحلمه في تحويل الأمكنة إلى ما يشبه  "ديزني لاند" واستثمارها لجعلها صالحة للسياسة والسوق والجغرافيا الآمنة، فضلاً عن ضرورتها في السيطرة على ممر مائي ستراتيجي، يدخل في توصيفات خارطة الشرق الأوسط الجديدة، وفي جعل سكان غزة الفلسطينيين خارج رهانات الأرض والتاريخ.

سؤال هذه الفرضية يكمن في مدى القدرة على تحقيقها، وعلى أساس فرضها على دول عربية مهمة مثل السعودية ومصر والأردن، وجعلهم يصدقون ويقبلون بها، رغم أن ما يجري حتى الآن يعكس حرص هذه الدول على رفضها، وعلى منع التهجير، بوصفه معالجة سيئة النوايا، ولها أهداف قد تنسحب إلى حسابات أخرى، وهذا ما دفع إلى وضع هذا الأمر على طاولة مؤتمر القمة المقبل لصياغة موقف عربي ستراتيجي يضمن الحق الفلسطيني، ويحافظ على التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة، بعيداً عن المزايدات، وعن الأوهام، وعن تحويل إجراءات الكيان الصهيوني إلى "واقع حال" لا سيما أن التفاوض مع حماس حول موضوع الأسرى يؤكد أن الأرض مازالت فلسطينية، وأن الفلسطينيين مازالوا يملكون القرار في التفاوض، وفي مواجهة تخرصات "نتنياهو" وأفكاره السوداوية، وحتى مواجهة أطروحة عزل أهل غزة عن أرضهم، وعن حقهم، وتركهم للهجرة إلى الفراغ، وصولاً إلى إعادة النظر بمفهوم الحليف الستراتيجي، وببروتوكولات التحالف مع الولايات المتحدة، على أساس المصالح المشتركة، وليس على الترويج لفكرة الخضوع، لأن إعادة توصيف مفاهيم الفراغ والهجرة سيجعلهما بلا معنى، وخارجين عن السياق، فضلاً عن أنهما لا يملكان أي فرصٍ للتنفيذ، فأرض غزة هي أرض تاريخية لأهلها، وأن الفلسطينيين شعب تاريخي، والدعوة إلى تهجيرهم ستكون سابقة لا تشبهها سوى محو  شعب الهنود الحمر" من الأرض والتاريخ.