أدلجة التاريخ في القرار السياسي

آراء 2025/02/17
...

 د. عبدالله حميد العتابي 

لا يخفى أن وقائع التاريخ وحقائقه وسردياته، دائما ما كانت محل خلاف ونزاع، وليس سراً أن المؤرخ يتأثر بكتابته للتاريخ بشكل أو آخر بالمذهب أو الأثنية أو الأيديولوجية أو العقائدية الحزبية. في حين روى المفكر الالماني اليهودي والتر بنيامين قائلاً: (التاريخ لا يكتبه الا المنتصرون).

 ولذلك فان المنتصر يعمل جاهداً على عرض الحدث التاريخي في ضوء سرديته ومصالحه واشتراطاته. وعليه يمكن القول: إن صفحات التاريخ لا تخلو من التلاعب والتزوير وتزييف الحقائق إلى حد الاختلاق. 

لذا يمكن القول، إن التاريخ هو المادة الخام للأيدولوجيات القومية أو الاثنية أو الأصولية. فالتاريخ عنصر أساسي، بل لعله العنصر الابرز في تلك الأيديولوجيات. فاذا لم يكن هناك ماض مشرف فإن بالإمكان اختلاقه. فالتاريخ يشرعن على وفق الأصولية الدينية بأشكالها الحالية، وعلى النزعة القومية المعاصرة. وفي ضوء ذلك، وجد المؤرخون انفسهم يقومون بدور غير متوقع، تمثل في دور الفاعل السياسي. إن دراسة التاريخ يمكن ان تتحول إلى معامل لإنتاج القنابل على غرار الورشات التي تعلم داعش فيها تحويل السماد الكيمياوي إلى مادة متفجرة. 

وتلك الحالة تؤثر في المؤرخ بحالتين. الاولى: يتحمل المؤرخ مسؤولية ازاء الحقائق التاريخية بصفة عامة. والثانية التصدي لإساءة استخدام التاريخ ايدلوجيا على المغالطة التاريخية لا على الأكاذيب أن التاريخ ليس ذاكرة سلفية أو تراثا جمعيا؛ لذا على المؤرخين التذكر أن مسؤوليتهم قبل كل شيء الابتعاد عن العواطف الجياشة لسياسة الهوية، فمثلاً استغلت النخبة التاريخية في إسرائيل الهولوكوست وحولتها إلى أسطورة تشرعن للوجود الصهيوني في فلسطين، بل جرى تحويلها إلى نوع من التوكيد الطقوسي القومي لهوية اسرائيل كدولة وتفوقها، بل ومبالغتها في استخدام القوة وباتت الهولوكوست، عنصر مركزي من عناصر المنظومة الرسمية للمعتقدات الصهيونية، إلى جانب الله؛ بل وجهت الحكومة الصهيونية المؤرخين بتفعيل التاريخ على الأسطورة القومية والطقوس والسياسة، أي اختلاق تاريخ ميثيولوجي أو قومي.  وقد لفت نظري تصريح السفير الأمريكي الجديد مايك هاكابي والذي عينه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في (إسرائيل) أن واشنطن ستحدث تغييرات في الشرق الأوسط ذات ابعاد توراتية بل ورفض هاكابي مصطلحي الضفة الغربية والاحتلال، اذ صرح قائلا:” لا يمكنني أن أقول شيئا لا اؤمن به لم أكن على استعداد ابدا لاستخدام مصطلح الضفة الغربية لا يوجد شيء من هذا القبيل، أنا أتحدث عن يهودا والسامرة وهي التسمية الصهيونية للضفة، وأضاف هاكابي أقول للناس لا يوجد احتلال في إشارة إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني بعد نكسة حزيران 1967، وبقي أن نقول، من لم يقرأ التاريخ، لا يصلح كسياسي، أولى خطوات السياسي هي معرفة التاريخ، وفهم أحداثه السياسية ذات الصلة بعمله وتخصصه، اما السياسي الذي لا يهتم بالتاريخ، فقد يكون نفسه موضوعا تاريخيا للعبرة 

والعظة.