حسن الكعبي
تعد عوالم الطفولة وتداولها في الأدب والفن بمثابة تحديات كبيرة لهذين الحقلين الإبداعيين، ويرجع ذلك إلى تعقيدات هذه العوالم وخصوصية الإشكاليات التي تحف بها، فتمظهرات الطفولة تكاد تكون خاصة ومنفصلة عن المجرى العام للعالم الذي تعيش فيه.. وهذا ما يفسر الغياب شبه التام للخوض في عالم الطفولة من خلال الأدب والفن، لكن ذلك لا يمنع من وجود استثناءات والتماعات فنية مهمة.
تعاطت مع هذه "الثيمة" بحرفية وعبقرية، فأضاءت هذه العوالم وكشفت عن إشكالياتها وقدمت الحلول لها.
في مجال الفن تأتي أفلام المخرج الإيراني الكبير مجيد مجيدي في صدارة الأعمال السينمائية، التي تعاطت مع إشكالية الطفولة وكشفت عن عبقريتها، إذ تحول بعضها إلى كلاسيكيات مهمة في هذا المجال مثل "لون الجنة" (1999)، و "أطفال السماء"(1997)، فضلاً عن أفلام أخرى تناولت إشكاليات الطفولة ووضعها داخل العالم الكبير، وعلى الرغم من أهمية أعمال مجيدي، إلا أن السينما الهندية قدمت أعمالاً مهمة في هذا المجال، حيث تناولت الطفولة من زاوية أخرى تختلف عن تلك التي قدمها مجيدي، أبرزها الفيلم الهندي "نجوم على الأرض" من بطولة وإخراج المتميز عامر خان والطفل دارشيل سفاري، والذي يتحدث عن إشكالية غالباً ما نراها في واقعنا الاجتماعي، خصوصاً في المجال التعليمي، فالفيلم يحكي قصة طفل يعاني من مرض يمنعه من القراءة والكتابة بشكل جيد، فيرسله ذووه باقتراح من إدارة مدرسته، إلى مدرسة أخرى داخلية، ظناً منهم أنه لا يريد أن يتعلم، وهناك يلتقي بمدرسين ينتهجون أساليب عنيفة في التعليم، ما يجعله يعاني الأمرين على الصعيد النفسي والجسدي، فهو محكوم عليه بالغباء من قبل إدارة مدرسته وأهله، فيعاقب بإبعاده عن أهله ووضعه في مدرسة داخلية، ما يشكل صدمة نفسية كبيرة للطفل، ولذلك فإنه يواجه العقوبة بردود أفعال متمردة، إذ لا ينصاع لأوامر الإدارة في المدرسة الجديدة، وكرد فعل يواجه الطفل بالتعنيف، ثم يحدث تحول كبير في وضعه النفسي والسلوكي، يعيد صياغة حياته من جديد، بعد لقائه بمدرس جديد كان يعاني من المرض نفسه في طفولته، فيكرس هذا المعلم المتفاني وقته لمعالجة الطفل، ويستطيع أن يحفز في الصغير نبوغه، فيتحول هذا الطالب المشاكس البطيء الفهم إلى نابغة، وبذلك يثبت هذا المدرس لإدارة المدرسة ولأهل الطفل، "عبقريته" وكيف تسبب أسلوبهم الخاطئ في التعامل معه وظلمه، بدلاً من معرفة أساس مشكلته.
تتجاوز رسالة الفيلم حيز الثيمة الحكائية التي بنى عليها الفيلم مبثوثاته، إلى حيز أكبر هو نقد النظام التربوي، والكشف عن عيوبه في أداء وظيفته التعليمية والتربوية، لذا فإن حكاية الطفل في الفيلم، هي المتكأ الذي انطلق منه لنقد منظومة اجتماعية وتعليمية، أسهمت في انهيار نظام التعليم وتغييب مواهب كثيرة، بسبب نتاج تلك العيوب النسقية التي تحيط بهذه المنظومة، ولذلك فإن رسالة الفيلم الكبرى، ترتكز على نقد هذه المنظومة، من خلال تقديم مقترحات ناجعة لها، كي تعيد فهم دورها الوظيفي والتعليمي في التعاطي مع الطفولة ومحاولة فهم المعوقات التي تعترض مسارها التعليمي، من دون اللجوء إلى حاكمية النسق، الذي يقضي بالحكم على الأطفال بالغباء نتاج تعرضهم لمشكلة تلقي التعليم، فالوظيفة والدور الأساس للمنظومة التربوية بحسب موجهات الفيلم تقوم على فهم المشكلات الحقيقية التي تعترض الطفولة في سياق إشكالية التعلم.
والفيلم في هذا المساق يشكل أنموذجاً في التواشج العميق بين الفن في سياق تكامل العناصر الدرامية، وبين الفكر في سياق التعامل مع الإشكاليات الاجتماعية بوعي حضاري متقدم.