قصة {الكتيبة 6888} المنسيَّة

ثقافة 2025/02/17
...

علي حمود الحسن  

  

ينتمي فيلم "الكتيبة 6888" للمخرج والممثل تيلر بيري إلى الأفلام التي تناولت الحرب العالمية الثانية، من خلال حكاية فريدة ومشوقة لم تكن معروفة على نطاق واسع، استلها بيري من مقالة لمؤرخ وثق يوميات كتيبة أميركية مكونة من 855 امرأة سوداء تقودها -في سابقة- الرائد شاريتي آدام(كيري واشنطن) الصارمة والرافضة لقوانين التميز العنصري.

 تُكلف الكتيبة بمهمة إيصال ملايين الرسائل المتراكمة في مستودعات ضخمة، كتبها الجنود وأرسلوها إلى أهاليهم وبالعكس، فتبدو مهمة تبويب وفرز أكثر من 17 مليون رسالة شبه مستحيلة، إذ لا تتوفر أدنى مستلزمات الخدمات في هذه المستودعات العملاقة المكتظة بحاويات الرسائل، مع العراقيل والمشكلات التي افتعلها الضباط البيض العنصريون، لكن إصرار النساء السمراوات على إنجاح المهمة، من خلال العمل ليل نهار لإيصال الرسائل إلى الجنود وأهاليهم، تكلل بالنجاح، فتمكن من إنجازها قبل الموعد بأشهر، ما أفرح الجنود الأميركيين وذويهم.

المشاهد الافتتاحية لجندي مذهول يركض في خندق طويل، ليجد له مكاناً على الساتر، بانتظار الهجوم الوشيك على الألمان، الذي ما أن ينطلق حتى يجد نفسه في أتون المعركة، يرى زملاءه يتساقطون، تحترق طائرة وتسقط في الأرض، فيقترب من الطيار الغارق في الدم، يستل قلادة هويته ورسالة ملطخة بالدماء، لتنتقل بنا الأحداث (فلاش باك) إلى أسرة الشابة السمراء لنا ديريكوت كينج (إيبوني أوبسيديان) وارتباطها بشاب يهودي ثري، هو الطيار القتيل ذاته. هذا الخط السردي سيكون المحور الأساسي، الذي اعتمده بيري في فيلمه، إذ نتابع هذه الشابة السمراء والتحاقها بالكتيبة وعلاقتها بعسكري أسود يعشقها من طرف واحد، هذا التنويع الحكائي يبدو رائعاً للدخول في  تفاصيل قصة البريد المعطل، لولا إقحام الطيار اليهودي الوسيم والثري الذي يعشق طالبة الثانوية السمراء لنا كينج، التي سنتابع قصة الكتيبة السوداء من خلال قصتها الحزينة.

تتلخص ثيمة الصراع الدرامي في محاولات النساء السمراوات إثبات جدارتهن في تنفيذ المهمة، كنوع من مواجهة العنصرية، بالضد من استهانة قادة الجيش الأميركي بقدراتهن إلى حد أنهم يضعون العراقيل في طريقهن ويكتبون تقارير إلى الرئيس بفشلهن وتخبطهن، لكن بسالة الرائد وإيمانهن بعدالة قضيتهن، وتفانيهن في إنجاز مهمتهن المستحيلة من خلال ابتكار طرق لكشف مسارات البريد، قلبت كل الموازين حتى أن جنوداً من البيض أدوا التحية تقديراً لجهودهن.

وبذلك قدم بيري فيلماً شيقاً، ينتمي لأسلوبيته في تناول التاريخ الأميركي الحديث، إذ أعاد الاعتبار لنساء سوداوات منسيات، عملن كمواطنات أميركيات يدافعن عن وطنهن في حرب كونية ضروس، مديناً التميز العنصري، لكن المخرج لم يتناول شخصيات فيلمه بالعمق المطلوب، على الرغم من اعتماده على ممثلات رائعات جسدن الشخصيات، لا سيما أداء كيري واشنطن الملهم.