سرور العلي
تتباين توجهات عشاق السينما في اختيار الوسائط التي يشاهدون فيها الأفلام، سواء كانت صالة السينما، أو المنصات الرقمية في ظل التطور الحاصل في تكنولوجيا العروض الرقمية، "الصباح" أجرت استطلاعاً مع مجموعة من الشباب والمهتمين في هذا الشأن، لمعرفة أسباب هذا التباين.
يفضل أحمد رائد (27 عاماً) مشاهدة أحدث الأفلام في إحدى قاعات سينمات المول، ويعزو السبب لكونها تجربة مشوقة وأكثر تفاعلاً مع المشاهد، من خلال وجود المؤثرات البصرية والصوتية.
وتقول رفل حسن (طالبة جامعية): إن مشاهدة الفيلم وسط جمهور متنوع، وفي صالة السينما أكثر متعة، وتعدها نوعاً من التآلف والتقارب الاجتماعي بوجود زملائها من الطلبة، الذين يتفقون بين فترة وأخرى للذهاب إلى سينما المول لمشاهدة أفلامهم المفضلة، هروباً من ضغوطات الحياة والدراسة، وغالباً ما يناقشون فكرة الفيلم ورسالته بعد الانتهاء من المشاهدة.
بينما يرى محمد جاسم أن المنصات الرقمية الخاصة بالأفلام بتقنيات حديثة وفريدة، استحوذت على معظم جمهور السينما، مشيراً إلى أن المشاهد يمكن أن يتمتع بمشاهدة فيلم وهو جالس في بيته أو مكتبه، بلا عناء أو تكلفة، فضلا ًعن اتاحتها ميزة التحكم في الصوت والسرعة، وأضاف جاسم: "وهذا يفسر ملايين المشاهدات على المنصات ووسائط الميديا".
وتستمتع فاطمة عادل (طالبة ثانوية) بمشاهدة الأفلام، من خلال جهاز "الآيباد" الخاص بها بعد اكمال واجباتها المدرسية، مع احضار بعض المكسرات للاستمتاع، مشيرة إلى أن العالم الرقمي أتاح لنا الكثير من الميزات، ومنها مشاهدة الأفلام في المنصات، ما يمنحها خصوصية أكثر.
على العكس من ذلك، قال علي قيس: "إن الأفلام ينبغي مشاهدتها في قاعات العرض، فهي المكان المناسب وسط جمهور يشاركك متعة المشاهدة".
بينما تعتقد سارة غيث أن صالات السينما توفر تجربة فريدة، بوجود شاشات كبيرة ذات جودة فنية عالية، وصور واضحة، وصوت نقي مجسم، كما أنها فرصة للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
وتؤكد غيث أن المنصات الرقمية توفر الراحة لمشاهدة ممتعة في المنزل، أو أي مكان آخر؛ حيث تتنوع الأفلام الأجنبية والعربية، سواء كانت قديمة أو حديثة، وهذا يتيح من وجهة نظرها مشاهدة الأفلام النادرة التي لا تتوفر في تلك الصالات.
ومن وجهة نظر الناقد السينمائي علي الياسري فإن "السينما تجربة حياة غامرة متعددة المزايا، مع كل ما تمتلكه من محمول إنساني ودلالات جوهرية تمس الفرد من الداخل، لتلتقط أعمق تعقيداته ورغباته وطموحاته"، مبيناً "أنها صورة الأحلام على واقع الشاشة البيضاء الساحر، يمكن للمرء تلمسها بروحه ومعانقتها بخياله، وهو عالم يقدم المعرفة والحكمة والوعي بالذات، وبالمجتمع وبالوجود ككل، من خلال تجارب شخصية يصنعها أشخاص موهوبون يؤثرون بالتأمل العلني في وقائع الحياة والنفس والسلوك، بيد أن الأساس الأول لكينونتها هو الترفيه المستمد من قدرتها على تحسين وتغيير المزاج العام للمتلقي".
لافتاً إلى أن التواجد في صالة مظلمة، أمام شاشة عملاقة مع صوت محيطي قوي، يضع المرء في واقع استحواذي، ينجذب فيه إلى المعروض كضياء ساقط على خامة بيضاء، من خلال هالة سحرية فريدة، تنقل المشاهد إلى بيئة العمل السينمائي مهما كان نوع الفيلم، بشرط تحقق التواصل العاطفي، وجريان النسغ الشعوري بينهما، وتعمل هذه الآصرة الآنية والمتحولة إلى ترابط دائم لاحقًا على
الكشف عن فعل إنساني ممتع يتجلى بمشاركة الأحاسيس وردود الأفعال المتنامية بين الجمع البشري الحاضر، واكتساب زخم تفاعلي يعطي لتجربة المشاهدة أبعاداً بخصوصية
يستحيل تحققها دون المتوفر في صالة السينما.
ونوه الياسري بأنه مع ضغط الزمن والحياة المعاصرة والخيارات التقنية المتوفرة، من خلال تعدد وسائط المشاهدة للأفلام، أصبح الارهاق والحاجة إلى لحظة من التأمل الفردي بمعية تجربة مشاهدة خاصة، توفر ظروفاً أفضل، وطقس متنامي كترفيه أمر شائع، لكونه يمنح الراحة من التشتيت الذي تخلقه الأمزجة الكثيرة في الصالة بالذات، مع التقاطع المزعج لاستخدام أجهزة الهاتف المحمول، وعدم مراعاة واحترام واقع الآخرين المخصص لمشاهدة الفيلم فقط، ناهيك عن التكاليف الأقل وسهولة الوصول للمحتوى، وتعدد الخيارات الكثيرة، والقدرة على الانقطاع واستكمال الفيلم بوقت آخر لأي سبب، لكن هذه الوسيلة لمتابعة الأفلام السينمائية لا تترك أثراً دائماً في الإنسان بقدر ما هي تجربة لتغيير الحالة المزاجية والترفيه، إذا ما علمنا أن الجودة التقنية بنسبة كبيرة أقل من ناحية حجم الشاشة وقوة الصوت، وهي عناصر أساسية يعتمد عليها الفيلم السينمائي، لتحقيق وصوله الشعوري والفكري للمتلقي.
إلى ذلك يمكن القول إن
المشاهدة المنزلية تحقق الراحة والخصوصية، لكن حتماً لن يكون للسحر البصري والفعل الفني تأثيره المتكامل وغمره الروحي، ما لم تشاهد الفيلم بصالة السينما وأجوائها المتفردة.