بغداد: سرور العلي
تل حرمل أو شاد بوم هو من المواقع الأثرية المهمة، التي تقع إلى الشرق من مدينة بغداد، وتحديداً في ضاحية بغداد الجديدة، ويطل على قناة الجيش، ويبلغ قطر التل حوالي 150 مترا، وعلى ارتفاع فوق مستوى السهل المحيط به حوالي 4 أمتار، ويحيط بهذا الموقع سور حصين، يبلغ سمك الجدران المسنونة بالدعامات حوالي خمسة أمتار.
المختص في الشأن الآثاري د. مثنى الهنداوي، أكد في حديثه لـ"الصباح"،:"هذا التل والتلال الأخرى القريبة منه، وهو جزء من مملكة اشنونا، والتي كان مركزها في محافظة ديالى، ويمتد إلى المنطقة الشرقية لمدينة بغداد، فهو أحد المواقع المهمة، ومركز إداري للجباية، ومدينة صغيرة تضم مجتمع بابل، ويعود إلى العهد البابلي القديم، وازدهر في الألف الثاني قبل الميلاد، ويسمى بالحرمل نسبة إلى نبات الحرمل الموجود فيه".
ولفت إلى أنّ التسمية القديمة للموقع فهي شاد بوم، وهذا الاسم في اللغة الاكدية باللهجة البابلية القديمة يشير إلى عدة تفسيرات، وهناك آراء في معنى الكلمة، وفي دراسة لمجموعة من الرسائل المكتشفة في الحرمل، وفي دراسة الوثائق الأخرى تؤكد أنها تدل على بيت المال أو ديوان الحساب، وأيضاً في الترجمات الحديثة، تترجم إلى أن هذا الاسم بمعنى سلة الرّقم الطينيّة أو خزانة الرّقم الطينيّة.
مؤكداً "أول التنقيبات التي أجريت في الموقع، أو نقول صبغ قصير في هذا الموقع، اجراها لكزس جونز عام 1850 ميلادي، فوجدت كتابة مسمارية تعود للملك حمورابي للقرن 18 قبل الميلاد، أما أول تنقيبات أجريت في الموقع فكانت عن طريق بعثة أثرية عراقية، في الاربعينيات، وتحديداً في العام 45 بإشراف عالم الآثار الراحل طه باقر، واستمرت التنقيبات لاحقاً، وبعضها في السنوات الأخيرة، وكانت أحياناً تضم بعض العلماء الأجانب إلى جانب البعثات الأثرية العراقية، وقد بينت النصوص المكتشفة معلومات مهمة عن الموقع".
موضحاً أنه من الوثائق المهمة التي وجدت هناك هي وثائق تجارية وقانونية تنظم الشؤون المختلفة، والمعاملات الاقتصادية، مثل الديون والايجارات والوصولات، وعقود الزواج والطلاق، وقرارات المحاكم، وشؤون الأرض والواردات وغيرها، والمجموعة الثانية كانت لوثائق إدارية بأسماء موظفين ومستخدمين، ورواتب وأملاك وتقسيمات إدارية، والرواتب كانت ليست مثل اليوم، إذ كانوا يستخدمون أموراً عينية تشبه المقايضة أو اعطائهم مواد نتيجة العمل.
وأشار إلى أنه من خلال التنقيبات تم العثور على الواح لغوية وأدبية، كالمعاجم أو نصوص مختلفة، كالشعر وحتى بعضها عبارة عن تدريبات للطلاب، ومجموعة رسائل إدارية رسمية من ملوك اشنونا إلى أولادهم في تل حرمل، ومن أهم الألواح التي تم العثور عليها هي شريعة اشنونا، وتتضمن 61 مادة قانونية مدونة على لوحين من الطين، وهذا يؤكد أن العراق كان سباقاً في ناحية القانون، وهناك نماذج أيضاً لقوانين سابقة، مثل قانون اورنمو، واصلاحات تسبقها مثل اصلاحات اوروكاجينا وغيرها، وهي تسبق شريعة حمورابي بفترة من الزمن، وهذه تؤكد أن النظام العراقي وضع أسسا كثيرة للنظام القضائي المعروف حتى اليوم.
وتابع الهنداوي حديثه:"هناك معبد رئيسي يقع في الجانب الشمالي من الشارع الرئيس، وكان مخصص لعبادة الآله نيسابا آلهه الكتابة، وزوجها الآله خاني، ومدخله يمتاز بوجود سلالم قليلة، ونجد على جانبي مدخل المعبد تمثالين لأسدين من الفخار، وكانا مجموعة من الشظايا المكسرة، وتم ترميمهما وجمعهما، وتم تقديمهما كأسدين كاملين، نجدهم اليوم في المتحف العراقي في بغداد، وهما أسدان من الفخار يجسدان أعظم نماذج النحت، وتدل فكرتهما على حماية الأبواب بالمداخل، وهذان الأسدان كانا فاغرين الفم أي بفم مفتوح، ومن الطريف وجود ثقوب فيهما، وظيفتها يدخل الهواء في داخل جوف هذين التمثالين الفخارين، فيظهر الصوت أو نسمع صوت أشبه بصوت زئير الأسد، وهي تشبه فكرة الثيران المجنحة التي تظهر في القصور الآشورية".
الدكتور عدي دحام حماد الدليمي، اختصاص آثار قال في تصريح لـ"الصباح"،:"من خلال النتائج المكتشفة في موقع تل حرمل الأثري، تدل على أهمية الموقع وتاريخه، إذ تم الكشف عن مجموعة من المباني المشيدة باللبن والطين، ومن بين هذه المباني تم التعرف على ستة معابد، ومنها معبد كبير قد بني على طراز المعابد البابلية الجنوبية، كما نشاهد عدة مباني منها ذات تخطيط مستطيل الشكل غير منتظم، تبلغ أطواله نحو (147م ×98م)، له مدخل كبير في جهته الشمالية، واحتوت جهته الشمالية الشرقية على برجين كبيرين، فضلاً عن ذلك تم اكتشاف معابد أصغر حجماً من المعبد الكبير، وهذا يدل على أن الموقع اتسم بطابع ديني واقتصادي".
وشدد الدليمي على ضرورة صيانة وترميم تلك المواقع الأثرية، لا سيما بعد اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لهذا العام.