علي حسن الفواز
شهدت أيام مؤتمر ميونخ للأمن العالمي في دورته الحادية والستين، نشاطات محمومة، سياسيا وأمنيا، ومناقشة قضايا تخص أزمات الحروب، والهجرة وأمن المناخ، والتهديدات التي تواجه الأمن العالمي، فضلا عن السعي للبحث عن حلول ستراتيجية لما يجري في جبهات الحرب الروسية الأوكرانية، ولتداعيات الحرب في غزة وفي جنوب لبنان، والحرب في السودان، والنظر في متابعة العملية السياسية الجديدة في سوريا.
ما يميز هذا المؤتمر، هو استمرار غياب روسيا عن المشاركة، مع الحرص على فتح حوارات حول قضايا الأمن السبراني والمعلوماتي والذكاء الاصطناعي وتأثيراته في الأمن السياسي والأمن الانتخابي، فضلا عن مناقشة موضوع علاقة "القطبية السياسية" بالأمن الجيوسياسي، وتأثيراتها في تأزيم ساحات الصراع الدولي، وفي إدارة السياسات الخارجية للدول.
من جانب آخر، أثار الدخول الأميركي إلى المؤتمر لغطا وجدالا عبر سياستها الخارجية الجديدة، ونظرتها إلى معالجة القضايا الخلافية، وهو ما أشار إليه رئيس الاتحاد الألماني شتاينمار بقوله: إن "الإدارة الأميركية الجديدة لديها وجهة نظر عالمية مختلفة تماما عن وجهة نظرنا. وجهة نظر لا تراعي القواعد الراسخة والشراكة والثقة الراسخة"، وعلى نحوٍ يجعل من الضغط الأميركي واضحا على الأوربيين، لا سيما في قضية توصيف الديمقراطية، وعلاقتها بمفاهيم الحريات، وبالدفاع والأمن الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي، والبحث عن دبلوماسية فاعلة تعزز هذه المسارات، وتواجه آثارها وتداعياتها، لاسيما مع صعود أحزاب اليمين إلى الحكم في أغلب دول أوروبا، وسوء إدارتها لقضايا المهاجرين إلى أوروبا، وبطء دعم برامج حلف الناتو، والعلاقة التجارية مع الصين.
التصريحات الأميركية أخذت بعدا ترك أثره على أعمال المؤتمر، فبقدر ما كان تصريح جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي حول تراجع حرية التعبير في أوروبا، مثيرا للجدل، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب تواصل ضغطها، ودفاعها عن مفهومها لعلاقة الاقتصاد بـ"الجيوبولتيك" الخاص بسياسة الضرائب والحرب التجارية، التي تجد ترددا من الأوروبيين الذين يجدون أن "الحروب التجارية لا طائل منها"، وهي إشارة إلى نقد سياسات واشنطن جراء اتباعها سياسات ضريبية ضاغطة.
وبصدد الصراع الروسي الأوكراني، فإن التخطيط لفتح حوار رئاسي أميركي روسي، سيكون مبادرة أميركية، بعيدة عن الخيار الأوروبي، وباتجاه يقوم على فتح أفق للحديث عن سلام "عقلاني" في أوروبا، يضع في حساباته مصالح روسيا، مثلما يخص إجراءات الدعم العسكري، وبرامج دول (الناتو) العسكرية، فضلا عن العمل باتجاه إجراء إصلاحات حقيقية في النظام الدولي، ومراعاة "إزالة القطبية" كما ورد في التقرير الأمني لمؤتمر ميونخ.