حق المشاهدة.. دقائقُ مسروقةٌ بين قيود القانون وخلاف الوالدين

بغداد : سعاد البياتي
يقول الحديث النبوي الشريف "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق" ولهذا البغض أسبابه، ومن أهمها ما يسببه الطلاق من معاناة لأطفال المطلقين، وما تسببه هذه الظاهرة التي تفاقمت في مجتمعنا وتزايدت أعدادها لفلذات أكبادنا، من معاناة ألا وهي الحضانة من قبل الأم وحق المشاهدة من قبل الأب، ومكان المشاهدة وفترتها، وما يترتب عليها من مشكلات للأطفال قد تتحكم في سلوكياتهم التي تحدد مستقبلهم، وبالتالي تأثيرها في المجتمع.
أحمد شهاب، أحد المطلقين يفصح عن شعوره بالألم والحالة النفسية المنكسرة، عندما يحين وقت مشاهدة ولديه الاثنين في إحدى منظمات المجتمع المدني البعيدة عن داره، فقد حددت له المحكمة الشخصية بعد مرافعات عدة، مشاهدتهما لمرتين في الشهر، وهو الذي انفصل عن زوجته منذ عامين واحتضنت هي الولدين، وكان من المفروض عليه بعد تقديم طلب للمحكمة لمشاهدتهما أن يتقبل الأمر الواقع والاحتكام للمنطق، وإن سبب له هذا الأمر هو انقطاعه عن العمل، مبيناً أنه رغم سعادته بمشاهدة طفليه، إلا أنه يستاء من حضورهما لثلاث ساعات في ذلك المكان، ويراها غير كافية للتقارب والاندماج معهما، وإن مددت تلك الفترة ليوم كامل فهي غير كافية لرؤية ولديه والتعايش معهما لبقية العمر بحسب قول شهاب.
حالات من الضجر والمتاعب
تروي ماجدة محمد، ربة بيت مطلقة: أن ابنتها تشعر بالضجر تارة وبالفرح تارة أخرى، حال وصولها إلى المحكمة والتي حددت كمكان، لتشاهد فيها والدها المنفصل عنها، لأن ابنتها وهي في الصف الثاني الابتدائي، تترك المدرسة في اليومين المحددين للمقابلة، وهذا ما يسبب الضجر والمتاعب لها ولابنتها على حد سواء، إضافة إلى ما تسمعه من كلام قاس وجارح من أبيها بحق أمها، وهو لا يترك الساعتين تمران بسلام أو تخلوان من المواقف السيئة، لكنها تتجاوزها لكون القضية ملزمة لها، ولا يمكن التنحي عنها أو تركها لتبعات قانونية واجرائية، لذا تبقى المشاهدة من وجهة نظرها مجرد ساعات مشحونة بالمشكلات والمنغصات والأمور غير اللائقة كما ترى الأم المطلقة.
قوانين جديدة
العديد من الحالات المشابهة أعلاه وجدناها في المحكمة الشخصية تتعلق بموضوع المشاهدة وما تفضي إليه من مشكلات، تعود وتؤثر جميع تداعياتها في الأطفال ومستقبلهم بالدرجة الأساس.
إذ يلزم القانون كلاً من المطلقة وطليقها بتطبيق مبدأ المشاهدة بفقراته التي فرضها القانون، بحسب عضو هيئة انتداب محكمة منطقة الشعب الشخصية، سعدية فياض العزاوي، التي أوضحت أنه من حق كل من الزوج والزوجة حتى وإن كانا غير منفصلين أو منفصلين رسمياً أن يقدما طلباً للمحكمة لمشاهدة الأطفال، ويلزم القانون كلاً منهما بتنفيذ الطلب بعد أن يأخذ الدرجة القطعية.
ففي البداية كانت المشاهدة لمرتين في الشهر ودون اصطحاب، أي لا يمكن للزوج أن يصطحب طفله إلى أي مكان غير محدد، والمشاهدة تتم عادة في المحكمة الشخصية أو في منظمات المجتمع المدني، أما الآن فتم تعديل القرار من محكمة الاستئناف إلى أربع مرات في الشهر مع الاصطحاب، وإن كان إلى بيت الزوج أو الطليق، وبأعمار معينة، فالطفل الذي عمره أكثر من سنتين تكون له مشاهدة واصطحاب، أما الأقل من ذلك فمشاهدة فقط لمراعاة ظروف الطفل وعدم تحمله ترك والدته، فالبعض منهم رضيع ولا يمكنه البقاء لساعات طويلة بعيداً عن والدته.
وفي السياق ذاته بينت العزاوي أنه في حالة الحضور إلى منظمات المجتمع المدني، هناك سجل خاص بالحضور والتوقيع، وإن تخلف كل منهما عن أربع مشاهدات يتم استدعاؤهما بمذكرة من دائرة التنفيذ تلزمهما بذلك، وإن لم يطبق القانون يسقط حق المشاهدة، أو تتم إجراءات أخرى تحددها المحكمة حينذاك.
التواصل والشعور الأسري
عن الموقف القانوني من المشاهدة يوضح قاضي الأحوال الشخصية المتقاعد سالم الموسوي بأنها حق قانوني يمنح لأحد الوالدين المنفصلين عن بعضهما، بغض النظر عن أسباب الانفصال، بعد أن يخضع الزوجان الطالبان للانفصال إلى جلسات بحثية عسى أن يتم العدول عن القرار وجمع الشمل بهما وبأولادهما، لأن المشاهدة في المحكمة أو في منظمات المجتمع المدني فيها بعض الازعاجات والمشكلات التي هما في غنى عنها، وقد جاءت القرارات مدروسة ومنظمة من قبل مجلس القضاء الأعلى لصالح الأطفال والمنفصلين كي يتم التواصل والشعور الأسري، بأهمية تواجد الأب أو الأم أمامهم وحل المنغصات المتتابعة فيما بعد الطلاق، كما أن القانون يتضمن فقرات مرنة وحازمة في العديد من الحالات ومنها المشاهدة، إذ يسمح الآن باصطحاب الأطفال إلى بيت الزوج أو الزوجة وقضاء أوقات جيدة بأجواء حميمية وإن كان البعض لا يتقبل ذلك بحجج مختلفة، رغم أنه الأكثر وضوحاً وسلامةً.
نزاعات لا تنتهي
من الحديث الذي لفت انتباهنا من أحدهم عند مشاهدة أطفاله، وهو يشعر بالأسى كلما شاهدهم، إذ وحسب ادعائه يسبب ذلك له ألماً حينما ينتهي وقت المشاهدة ويفترق عنهما، فالساعات القليلة لا تسعه في الاندماج معهم أو معرفة أحاسيسهم أو حتى منحهم شعور الأبوة، فضلاً عن مكان المحكمة والمشكلات التي تحدث فيها بين أطراف القضايا المختلفة عناوينها ومحتواها كجرائم القتل والخطف وغيرها من الدعاوى التي تعج بها المحكمة، وهذا بحد ذاته غير مناسب لكل طفل يشاهد ويسمع ما يحصل، وذاكرة الطفل تحفظ كل ما يدور هناك.
وفي حالة المشاجرات والنزاعات التي تحدث في حالة حضورهما أو حضور أقربائهما أيضاً، تبين المحامية سعدية العزاوي بالقول: إن كانت المشاهدة تتم داخل المحكمة فلديها شرطة قضائية لفض النزاع وبطرق تدركها بعيداً عن العنف وغيره، أما في المنظمات فتوجد حمايات خاصة لهذا الأمر أو موظفون مختصون مهمتهم تدارك الأمر بشكل من أشكال الصلح أو إنهاء المشاهدة.
أمراض نفسيَّة
ومن الجدير بالذكر حسب الباحثة رنا مخلف والتي عبرت عن أسفها وألمها لما يحصل من تزايد في نسبة الطلاق وفيها أيضاً تزداد طلبات المشاهدة، وهذا يدل على الوضع الاجتماعي الخطير الذي يعكس ضعف الوازع الديني والأسري والتخلي بسهولة من قبل الطرفين عن أولادهما، وعدم إدراك ما للمشاهدة من تداعيات سلبية على الأطفال والتي تسبب حالات نفسية وأمراضاً، نظراً للأنانية التي يحملانها ويضعان أطفالهما في حالات سيئة بعيداً عن الأجواء الأسرية التي يحتمي فيها الطفل، ويكون بموضع اطمئنان وراحة، فهو يحتاج الأب والأم، ومشاهدة أحدهما في فترات متباعدة تخلق له أجواء نفسية غير مستقرة، حتى نراه غير مستعد أحياناً لذلك أو يتحجج لعدم الحضور، ليكون ضحية الخلافات لذا يفضي اللقاء إلى أثر سلبي وغير مجد أحياناً، مؤكدة أن العناد بين الأزواج يشكل نسبة كبيرة باصرارهم على الانفصال، دون التفكير بما له من أثر في مستقبل أولادهم ونتيجة عكسية في التربية، وفي جميع الحالات، فطلبات المشاهدة لا يمكن رفضها، بل تسير وفقاً للقانون وحسب ما نراه مناسباً لتحديد المكان.