الإعلام البديل.. القوة الخفية في تشكيل الرأي العام

بغداد : هدى العزاوي
في عصر السرعة الرقمية، لم يعد الشباب يكتفون بتلقي الأخبار والمعلومات من الوسائل التقليدية، بل أصبحوا صناعا للرأي العام عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ يشكل الإعلام البديل ساحة مفتوحة للتعبير، لكنه في الوقت ذاته أداة قد تستخدم لتوجيه القناعات وصياغة الأفكار بطرق غير مرئية.
في ظل هذا الواقع، تبرز تساؤلات جوهرية: كيف يؤثر الإعلام البديل في وعي الشباب وتوجهاتهم الفكرية؟ هل يعزز الوعي النقدي أم يسهم في نشر التضليل والمعلومات المضللة؟ وما مدى قدرة الشباب على التمييز بين الحقيقة والدعاية الموجهة؟
يؤكد خبير الإعلام الرقمي والتنمية البشرية، الدكتور محمد أكرم آل جعفر، أن ظهور الإعلام البديل أو ما يُعرف بالإعلام الشعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعد تحولًا مهمًا في صناعة المحتوى ونقل المعلومات. ويقول في حديثه لـ"الصباح" إن هذه المنصات أتاحت مساحات واسعة للتعبير، بعيدًا عن سيطرة المؤسسات الإعلامية التقليدية التي قد تكون مقيدة بتوجهات فكرية أو سياسية.
ويضيف الدكتور آل جعفر أن "ما يميز الإعلام الرقمي هو السرعة والانفتاح، إذ أصبح بإمكان أي شخص أن يكون صانع محتوى ويشارك في تشكيل الرأي العام دون الحاجة إلى مؤسسات إعلامية ضخمة". لكن في المقابل، يشير آل جعفر الى أن هذا الانفتاح أوجد مشكلات كبيرة، أبرزها انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة التي يصعب التحقق من صحتها بسبب غياب المعايير الصحفية المهنية.
وكشفت دراسة أجراها قسم محاربة الشائعات في وزارة الداخلية أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر الرئيسي للأخبار لدى المواطنين، حيث تصدر فيسبوك قائمة المنصات الأكثر استخدامًا، متفوقًا على الصحف والقنوات التلفزيونية التقليدية.
وجاءت هذه النتائج ضمن ندوة نظمتها خلية الإعلام الأمني تحت عنوان "الأبعاد النفسية والاجتماعية في ترويج الشائعات". وأوضح العميد نبراس محمد علي، مدير قسم محاربة الشائعات في وزارة الداخلية، أن الهدف من الاستبيان تحليل مدى تأثر المواطنين بالمعلومات التي يحصلون عليها من وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الشائعات التي تنتشر على هذه المنصات تؤدي إلى إثارة الفتن والاضطرابات في المجتمع.
الاستقرار المجتمعي
الشائعات ليست مجرد أخبار كاذبة يتم تداولها عشوائيًا، بل لها أبعاد نفسية واجتماعية قد تؤدي إلى خلق حالة من الذعر وعدم الاستقرار. وبهذا الصدد يوضح الباحث الاجتماعي والأكاديمي الدكتور محمد عبد الحسن، أن "وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بيئة خصبة لنشر الشائعات، حيث يتفاعل الأفراد مع الأخبار بناءً على مشاعرهم وانحيازاتهم الشخصية، مما يؤدي إلى انتشار المعلومات المغلوطة بسرعة كبيرة".
هذه المواقع، والحديث للدكتور عبد الحسن، تعتمد على تقنيات برمجية متطورة تتطلب من المستخدمين الموافقة على منحها إذن الوصول إلى بياناتهم، مما يجعلها قادرة على تحليل اهتماماتهم وتوجيه المحتوى لهم وفق ما يخدم مصالحها.
ويشير الدكتور عبد الحسن بالقول إلى أن "مجتمعاتنا تمتاز بهبة ديموغرافية تتمثل في وجود قاعدة شبابية كبيرة، وهذه الفئة تحديدًا تمتلك ميولًا طبيعية نحو حب الظهور والرغبة في التغيير، مما يجعلها أكثر عرضة لتأثير الإعلام الرقمي". ويوضح قائلًا: "الشباب غالباً ما ينظرون إلى مجتمعات أكثر رفاهية، مما يعزز لديهم الشعور بعدم الرضا عن واقعهم، وهذا يجعلهم أكثر تقبلًا للشائعات، خاصة إذا كانت تتماشى مع رغباتهم أو تعبر عن إحباطاتهم".
ونوه الى انه "عندما يرى المستخدم أن هناك آلاف الأشخاص قد تفاعلوا مع معلومة معينة، فإنه يقتنع بصحتها دون أن يتحقق منها، وهنا يتحول إلى عنصر فاعل في نشرها، ما يؤدي إلى تكريس ما يُعرف بعقلية القطيع".
لمواجهة مخاطر الإعلام الرقمي، اتجهت بعض الدول إلى تعزيز مفهوم "المواطنة الرقمية"، عبر إدخال مناهج تعليمية تُعرف الطلاب بحقوقهم وواجباتهم في الفضاء الإلكتروني، إضافة إلى سن قوانين تحاسب الجهات التي تروج للمعلومات الكاذبة.
ويختتم الدكتور عبد الحسن حديثه قائلًا: "يجب أن ندرك أن هناك جهات تعمل بشكل احترافي وممنهج على تشكيل آرائنا وتوجيه قناعاتنا".
وأكد ان "الحل لا يكمن في تقييد الإعلام الرقمي، بل في خلق وعي مجتمعي قادر على التمييز بين الحقيقة والتضليل، وتعزيز ثقافة التحقق من المصادر قبل تصديق أي معلومة أو الترويج لها".
ويتابع الدكتور عبد الحسن: "اليوم، لم تعد الحروب تُخاض فقط بالأسلحة التقليدية، بل أصبحت الشائعات والأخبار المضللة جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الدول والجماعات المتنافسة. لذلك نجد أن معظم دول العالم باتت توظف فرقًا متخصصة فيما يُعرف بـ'الجيوش الإلكترونية' لمواجهة الحملات الدعائية المغرضة".
وبحسب احصائيات هيئة الاعلام والاتصالات، فان الرخص المسحوبة للقنوات والاذاعات والمكاتب الالكترونية والمكاتب للعام 2024، بلغت 32 رخصة، من أصل (151) مخالفة سجلتها ضد القنوات والاذاعات والمواقع الالكترونية.
يأتي ذلك في وقت تستعد فيه الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإطلاق أول "منصة رسمية" لمحاربة ومكافحة الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل حماية المواطنين والسلم الأهلي والمجتمعي من المعلومات المضللة والمزيفة.
المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيدر مجيد، بيّن في حديث لـ"الصباح"، بأن "الإعلام الحكومي يلعب دوراً حيوياً في التصدي للشائعات التي تصدر بين فترة وأخرى، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الخطوات والأساليب الإعلامية التي تهدف إلى توضيح الحقائق وتعزيز الثقة بين المؤسسات الرسمية والمواطنين". وأوضح، أن "فريق الإعلام الحكومي، يعمل على التنسيق بين المؤسسات الإعلامية الرسمية كافة، عبر قنوات تواصل يومية وعلى مدار الساعة لمواكبة جميع التطورات، وهنالك تنسيق عالي المستوى مع جميع المؤسسات الإعلامية من دون استثناء".
وبشأن الشائعات، يؤكد مجيد بأن "هنالك فريقاً متخصصاً للرصد الإعلامي والإلكتروني، يعمل على مراقبة كل ما يصدر ومتابعته، فضلاً عن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وتحليل البيانات لتحديد مصادر الشائعات والرد عليها، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وتتمثل مهمته الرئيسة في التصدي للشائعات والمعلومات المضللة التي قد تؤثر سلباً في الرأي العام أو تهدد استقرار المجتمع".
وكشف المتحدث، عن أن "الأمانة العامة لمجلس الوزراء ستطلق قريباً منصة على مواقع التواصل الاجتماعي، هي الأولى من نوعها في العراق رسمياً، تُعنى بمكافحة الشائعات وتفنيد الأخبار الزائفة والوثائق المزوَّرة والمفبركة".
من جانبه، أوضح المستشار القانوني في مجلس النواب، الدكتور هاتف الركابي في حديث لـ"الصباح"، أنه "من أجل عدم تزييف الحقائق والحدِّ من ذلك وعدم تضليل الرأي العام بمعلومات خاطئة سواء كانت صادرة عن سياسيين أو ناشطين مدنيين أو متنفذين في السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ ينبغي على مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، تشريع قانون لـ(تجريم) المعلومات المضللة، ووضع عقوبات صارمة بحق كل من تسوّل له نفسه الإدلاء بمعلومات مغلوطة تمسُّ أيَّ شخص أو جهة مهما كانت سلطة أو نفوذ مُطلِق الشائعة أو المعلومة المضللة".
التشريعات القانونية
يشير القاضي ناصر عمران إلى أن التشريعات الحالية لم تعد كافية لمواجهة الجرائم الإلكترونية، حيث أصبحت الجرائم المرتبطة بالإعلام الرقمي أكثر تعقيدًا وتحتاج إلى قوانين جديدة تتناسب مع التطورات التكنولوجية.
كما أوضح أن الجرائم الإلكترونية مثل الابتزاز الإلكتروني، والاحتيال، والتشهير أصبحت منتشرة بشكل كبير، مما يتطلب آليات قانونية أكثر تطورا للتعامل معها. وفي هذا السياق، قام مجلس القضاء الأعلى بتأسيس محاكم متخصصة بقضايا النشر والجرائم الإلكترونية، وعين قضاة ذوي خبرة في هذا المجال لضمان معالجة هذه القضايا بفعالية.
تعزيز الوعي المجتمعي
لا يمكن مواجهة خطر الشائعات والمعلومات المضللة من خلال القوانين فقط، بل يتطلب الأمر جهودًا مجتمعية لتعزيز ثقافة التحقق من المعلومات. ومن هنا، بدأت بعض الدول بتبني مفهوم "المواطنة الرقمية"، من خلال إدراج مناهج تعليمية تسلط الضوء على أهمية التفكير النقدي والتحقق من مصادر الأخبار قبل تصديقها أو مشاركتها.