خبراء لـ { الصباح }: {التحوُّل الرقمي والأمن السيبراني} ضرورة عراقية

الثانية والثالثة 2025/02/24
...

 بغداد: هدى العزاوي

أبدى مراقبون وخبراء في الشؤون التقنية والتكنولوجية دعمهم للفكرة التي طرحها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مؤخراً بتأسيس هيئة أو وزارة معنية بالتحوُّل الرقمي والأمن السيبراني، إنسجاماً مع التطورات الحاصلة في العالم والانتقال بالخدمات المقدمة للمواطنين إلى مرتبة جديدة تتناسب والعصر الرقمي الحديث، وكذلك تكون منسجمة مع المنهاج الذي طرحته الحكومة منذ بداية تأسيسها كحكومة خدمات، ومدى أهمية هذه الفكرة في القضاء على الفساد وسرعة إنجاز المعاملات.

عضو لجنة النزاهة النيابية، أحمد طه الربيعي، قال في حديث لـ"الصباح": "تكمن أهمية الخطوة أو الفكرة التي طرحها السوداني؛ في توحيد الرؤية والستراتيجية الوطنية للتحوُّل الرقمي بدلاً من الجهود المتفرقة بين الوزارات والهيئات المختلفة وضمان التنسيق بين الجهات الحكومية الخاصة لتسريع تنفيذ المشاريع الرقمية".

ولفت إلى أن "الأتمتة الإلكترونية تضمن الاستجابة السريعة لمحاولات الاختراق والتجسُّس الإلكتروني، مما يضمن حماية المؤسسات المالية والمرافق الحيوية والقطاعات الستراتيجية في الطاقة والصحة من الهجمات السيبرانية، فضلاً عن تحسين كفاءة الأداء الحكومي في ما يتعلق بتحسين الخدمات وتقليل البيروقراطية مما يضمن الشفافية عبر تطبيق تقنيات الحوكمة الرقمية المرتبطة بوزارة أو هيئة مما يضمن المركزية".

وأشار، إلى أن "تطبيق الفكرة يضمن المساعي الحكومية بتوحيد الجهود بين القطاعات للابتعاد عن البيروقراطية المقيتة التي تجتاح المؤسسات والتي تعود بالضرر على المواطنين، كما تحدُّ هذه الخطوة عند تنفيذها من الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية وحماية السيادة الرقمية للدولة وتعزيز تطوير حلول محلية".


لجان وأوامر ديوانيَّة

بدوره، قال عضو الفريق الاستشاري للتحوُّل الرقمي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، خبير التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، الدكتور محمد عصمت البياتي، في حديث لـ"الصباح": إنه "بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه قطاع تكنولوجيا المعلومات في العراق والتحديات العالمية؛ أصبح التحول الرقمي ضرورة لا اختياراً في دول العالم، ومن هذا المنطلق دعا رئيس الوزراء إلى أن تكون هنالك جهة متخصصة ومركزية لموضوع التحوُّل الرقمي والأمن السيبراني"، مبيناً أن "رئيس الوزراء يشغل منصب رئيس اللجنة العليا للتحوُّل الرقمي في العراق، وهذه اللجنة أخذت قراراً وصدر أمر ديواني بإنشاء مركزين؛ الأول التحوُّل الرقمي أما المركز الثاني فهو مركز الأمن السيبراني".

وأوضح، أنه "من الناحية الإدارية فإن المركز على مستوى مديرية دون إدارة عامة، لكن خلال السنوات الثلاث المقبلة ستتحول هذه المراكز إلى هيئات؛ بل يطمح رئيس الوزراء إلى أن تكون هنالك وزارة خاصة للتحوُّل الرقمي في العراق، ولأسباب عديدة فإنه منذ عام 2004 إلى هذا اليوم يُدار الموضوع من خلال لجان هي (لجان الأوامر الديوانية 65 و64 و22)، وكل هذه اللجان تعمل على موضوع التحوُّل الرقمي"، موضحاً بأن "جميع دول العالم قد غادرت موضوع اللجان وتحولت إما إلى هيئات مستقلة أو وزارات للتحوُّل الرقمي".

وأكد البياتي، بأن "العراق ليس بعيداً عن هذا المنهج العالمي؛ وكما أشرت آنفاً باتخاذ مجلس الوزراء قراراً بإنشاء مركزين؛ الأول معنيٌّ بالتحوُّل الرقمي، والثاني معنيٌّ بالأمن السيبراني، وخلال السنوات الثلاث المقبلة سيتحول المركزان إلى مستوى هيئة أو مستوى وزارة لأهمية الموضوع في صنع تحوُّل رقمي حقيقي في العراق"، وأوضح أن "ما نقصده في ذلك؛ تحوُّل جميع الخدمات الحكومية المقدمة إلى خدمات إلكترونية، هذا من جانب، ومن جانب آخر سوف ينظم إيرادات الدولة وآلية توزيعها على المشاريع من خلال أتمتة وزارتي المالية والتخطيط، مما يُسهم بشكل كبير في القضاء على البيروقراطية الإدارية والحلقات الزائدة في تنفيذ وإدارة المشاريع"، مبيناً أن "ذلك سيُسهم في خلق شفافية عالية لعمل الحكومة وآلية تقديم الخدمات للمواطنين، مما يعزز من إيرادات الدولة من جانب وزيادة جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين من جانب آخر".


مكافحة الفساد

الخبير الممارس في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، سعيد ياسين موسى، قال في حديث لـ"الصباح": إن "من ضمن معايير تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وضمن اتخاذ تدابير وقائية وفق اتفاقية مكافحة الفساد، فقد أشرت إلى أهمية الإصلاح الإداري للقطاع العام وتبسيط الإجراءات الحكومية واعتماد سياسات عامة لإبلاغ الجمهور والإفصاح عن المعلومات للمزيد من

 الشفافية".

وأضاف موسى، أن "مبادرة السوداني تأتي كخطوة في إصلاح النظام الإداري وحوكمة الإجراءات الحكومية، مما يعني تحسين جودة الأداء العام وجودة الخدمات المقدمة للجمهور وسهولة الوصول إلى المؤسسات العامة من خلال رقْمَنَة الأداء العام"، داعياً إلى ضرورة أن "تكون الإجراءات الحكومية من خلال منصَّة واحدة قابلة لمراقبة ورصد الأداء العام للمؤسسات العامة حسب القطاعات، وأهمية ضمان الحفاظ على سرِّية المعلومات الشخصية ومنع اختراق المنصَّات الإلكترونية 

العامة".

وأكد الخبير بمجال مكافحة الفساد، أنه "هنا يأتي تحقيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة من حيث إدارة الزمن وإدارة النوعية وتخفيض التكاليف المالية وإدارة الموارد البشرية، كما تأتي أهميتها في تكوين نظام المتابعة لجميع المؤسسات من خلال مؤسسة قطاعية،  كما تتضح أهمية تأسيس لنظام استلام الشكاوى وتلبيتها".

وأضاف موسى، أن "العالم يسير قدماً في اعتماد الإنترنت والمواقع الإلكترونية والبرمجيات المختلفة، مما يتطلب تأمين هذه الإجراءات من خلال الأمن السيبراني وتأسيس جهة واحدة لمتابعة وتطوير الأداء والحفاظ على الأمن القومي واتخاذ تدابير احترازية"، عادّاً أن "مبادرة السوداني عند تنفيذها تعتبر خطوة كبيرة للأمام في تحسين جودة الحياة من خلال اختزال المراجعات الفردية للمؤسسات الحكومية وتطوير الخدمات المقدمة للجمهور ومغادرة المعاملات الورقية".


أهمية ستراتيجية

أما مدير "مركز مايكروسوفت التدريبي" ومجموعة ( LLS )، أحمد عز الدين، فقد أكد في حديث لـ"الصباح"، أن "وجود جهة بمستوى وزارة مستقلة معنيَّة بالتحوُّل الرقمي والأمن السيبراني؛ يحمل أهمية ستراتيجية كبيرة، خاصة في الدول التي تسعى لتحديث بِنيتها التحتية الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني لحماية بياناتها ومؤسساتها"، عاداً أن "ذلك يضمن إدارة مركزية قوية للملف الرقمي، مما يساعد في بناء دولة أكثر ذكاءً، وأماناً، واستدامةً اقتصادياً، مع تقليل المخاطر السيبرانية وتحقيق تحوُّل رقمي حقيقي يخدم الأفراد والمؤسسات".

وأشار عز الدين، إلى أنه "من ناحية القضاء على الفساد، فإن التحوُّل إلى المعاملات الإلكترونية يقلِّل من التلاعب بالوثائق الورقية التي يمكن تزويرها أو إخفاؤها، كما أن أنظمة الحوكمة الرقمية تتيح تتبع جميع المعاملات المالية والإدارية، مما يجعل من الصعب إخفاء الفساد، كذلك فإن إتاحة البيانات المفتوحة للجمهور ووسائل الإعلام تزيد من الشفافية وتمنح المواطنين القدرة على مراقبة أداء الحكومة".

وأضاف، أن "الأتمتة والذكاء الاصطناعي يقلِّلان من الحاجة إلى الموظفين كوسطاء في تقديم الخدمات، مما يقلِّل من فرص الرشوة والابتزاز عبر الخدمات الحكومية عبر الإنترنت (e-Government) ويتيح للمواطنين إنجاز معاملاتهم من دون الحاجة للذهاب إلى الدوائر الحكومية، مما يقلِّل من فرص الفساد الإداري كما أن أنظمة الدفع الإلكتروني تمنع التعاملات النقدية المباشرة، مما يقلل من التلاعب والسرقات المالية".

تحول رقمي

وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد أن العراق يجب أن ينتقل خلال 3 سنوات إلى مستوى هيئة مستقلة أو وزارة معنية بالتحوُّل الرقمي والأمن السيبراني.

وقال الأسبوع الماضي، خلال افتتاح مركز التحول الرقمي والأتمتة في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: إن "كل التعاملات، بدءاً من إجراءات التقديم للطلاب وصولاً إلى القبول وتعاملات الموظفين والمواطنين، تتجه نحو التحوُّل الرقمي، وهذا يشتمل على 2500 موظف يعملون في مقرِّ الوزارة، وهو ما يشكل نقطة تحول ومنجزاً للوزارة"، مبيناً أن "تحويل طلبات المواطنين إلى الشكل الإلكتروني سيجعل العملية أكثر سهولة في مختلف التطبيقات".

وأضاف، أن "البرنامج الحكومي أكد أن الحكومة الحالية حكومة الخدمة، وهي مرتبطة بشكل مباشر بالتحوُّل الرقمي"، مضيفاً: "لا نريد أن يكون التحوُّل الرقمي مجرد استعراض إعلامي، بل يجب أن يلمس المواطن التحوُّلات في ما يناله من خدمة". وقال السوداني: "يجب أن ننتقل خلال 3 سنوات إلى مستوى هيئة مستقلة أو وزارة معنية بالتحوُّل الرقمي والأمن السيبراني"، مشيراً إلى أن "الخطط لا تمنع مبادرة الوزارات في تحسين خدمتها نحو التحوُّل الرقمي من أجل تحسين الخدمة المقدمة للمواطن".

وأشار رئيس الوزراء، إلى أن "التماسّ بين المواطن والموظف مصدر تلكؤ، والتحوُّل الرقمي سيتجاوز أهم العقبات"، مبيناً أن "التحوُّل الرقمي يوفر خدمة مباشرة ويقلِّل الكلف، ويحارب الفساد"، وقال: "كلما تمكنا من تحسين هذه الخدمة وتيسيرها للمواطن، نكون قد حققنا شعار الخدمة ومتابعة العمل، ونلتحق بركب العالم في مجال الذكاء الاصطناعي والنقلات النوعية".


أمن سيبراني

وفي شهر كانون الثاني الماضي،‏ افتتح رئيس الوزراء، مركز الأمن السيبراني التابع لوزارة الداخلية، وأكد دعم الحكومة في مجال تطبيق الأمن السيبراني، الذي بات يمثل مفصلاً مهماً من مفاصل العمل الأمني، مشيراً إلى أهمية مواكبة القوات الأمنية للتطورات التكنولوجية الحديثة، وأن يكون العراق متقدماً في مجال الأمن السيبراني.

وقال مدير مركز الأمن السبراني في وزارة الداخلية العميد حسن هادي: إن "العراق شهد عام 2017 تشكيل أول فريق استجابة الحوادث السيبرانية، وفي عام 2020 تم إعداد أول سياسات للأمن السيبراني، وفي عام 2022 تم إقرار أول ستراتيجية له في وزارة الداخلية وإطلاق أول مركز أمن سيبراني خاص في وزارة الداخلية".

وأضاف، أن "المركز يتكون حالياً من شُعَبٍ عدة، بينها شُعبة الجريمة الإلكترونية وشعبة حماية مراكز البيانات ومركز تدريب الأمن السيبراني"، مبيناً، أنه "تم وضع خطط لتطوير قدرات كوادر مركز الأمن السيبراني".

وأوضح هادي، أن "رئيس الوزراء أوعز بتشكيل مركز وطني للأمن السيبراني يجمع جميع المؤسسات من المؤمل أن ينتهي العمل به هذا العام".