كتب رئيس التحرير:
حقيقة الحقائق التي لا تُقهر والتي لا سبيل إلى نكرانها أو دحضها هي أننا سنموت وأنْ لا أحد يُخلّد، طال بنا الأمدُ أو قصر. والتعبير القرآنيُّ "إنك ميّتٌ وإنهم ميتون" بسيط وواضحٌ وصادمٌ شأنه شأن كلِّ حقيقةٍ عارية.
لكنَّ أسعد الناس حظاً وأوفرهم توفيقاً وتسديداً مَنْ يُغمض عينيه أخيراً وهو يعرف أنه عاش حياته بأكملها متطابقاً مع ذاته، وفيّاً لأهدافٍ وأغراضٍ هي من الرفعة والسموّ والترفّع عن الصغائر بحيث استحقّتْ أنْ يُصرفَ عمرٌ كاملٌ من أجلها.
أمس شهدنا مع العالم مراسم تشييع ودفن جثمان السيّد حسن نصر الله. كان الحضور مهيباً يليق بالرمزيَّة العالية التي مثّلها السيّد حياً وميتاً، ويليق بشخصه الذي سيظلّ القربان الأكثر نقاءً لقضيَّةٍ عادلةٍ وفي تمام الوضوح بحيث لا يحتاج أحدٌ لأنْ يسأل فيها عن الحقِّ والباطل.
كان خطابه منبعثاً من مكبّرات الصوت أمس يوهم السامع أنه خطابٌ حيّ، وأننا يمكن أنْ نفاجأ بعد قليلٍ برؤية السيّد الهمام وهو يعتلي المنصَّة، وأنَّ ما سيُوارى الثرى وما سيُغيّب في التراب لا يمتّ بصلةٍ لحقيقة السيّد ولا لتاريخه وشجاعته وإيمانه ويقينه بالنصر.
كان حاضراً كأبلغ ما يكون الحضور، وفاعلاً كما لا يقدر كثيرٌ من الأحياء على بلوغه، ومحرّكاً لهذه الحشود ومهيمناً على وجدانها كما لو أنه يشاركهم لحظة توديعه.
تشييعٌ كهذا يليق بأصدق المقاومين وسليل إرث المضحّين العظام الذين إذا ما أصبحتْ أجسادهم تحت التراب أضاؤوا أكثر فأكثر.
كان على العهد إلى أن استشهد فصارت الملايين على عهده!