باسم مروة
ترجمة: بهاء سلمان
تأتي صباح عبد الله إلى مسقط رأسها في بلدة الخيام أقصى جنوب لبنان، وتجلس بجوار منزلها المدمر بانتظار مختصين من هيأة البناء والاعمار التابعة لقيادة حزب الله، لأجل تقدير مستوى الأضرار التي لحقت بمنزلها بسبب الحرب التي شنها الكيان الصهيوني وتركتها بلا مأوى، ثم يقدر المختصون قيمة التعويضات التي يقدمها الحزب للسيدة صباح، البالغة من العمر 66 عاما، حيث تستأجر حاليا منزلا في قرية كوكبا القريبة، وتقوم بترميم متجر البقالة الصغير التابع لها، والذي تضرر بشدة نتيجة للحرب التي استمرت 13 شهرا وانتهت في أواخر تشرين الثاني الماضي. فقد خلَّفت الحرب أكثر من أربعة آلاف قتيل وأكثر من 16 ألف جريح لبناني؛ فضلا عن أضرار تقدر بمليارات الدولارات.
تقول صباح، وهي جالسة على كرسي بلاستيكي خارج متجرها تحت نور الشمس الدافئة هذه الأيام: "يمكن تعويض الأضرار ولكن فقدان الأرواح لا يمكن تعويضها".
ويبدو أن قوات الاحتلال ستبقى مسيطرة على أجزاء حدودية من جنوب لبنان، بعد تمديد وقف إطلاق النار منتصف شهر شباط الحالي، والقاضي بانسحاب تلك القوات من الحدود وإنهاء قوات حزب الله وجودها المسلح على امتداد المنطقة الحدودية. لكن مسؤولا اسرائيليا قال إن القوات المحتلة ستبقى مسيطرة على خمسة مواقع وصفها بأنها استراتيجية ضمن خط حدود جنوب لبنان بعد الموعد النهائي.
دمار هائل
أحد هذه المواقع هو تلة الحمامص المطلة على مشارف الخيام الجنوبية. وقبل عدة ايام، كان من الممكن رؤية الجرافات من مسافة بعيدة وهي تعمل على بناء ما يبدو أنه تحصينات، كإشارة واضحة إلى أن جيش الاحتلال يخطط للبقاء لفترة أطول بعد الموعد النهائي.
بدأت الحرب بين الكيان المحتل وحزب الله بعد يوم من تنفيذ حركة حماس لهجومها المميت على منطقة غلاف قطاع غزة الشمالي والشرقي صبيحة السابع من تشرين الأول 2023، ما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 شخصا وإشعال فتيل حرب استمرت طيلة 15 شهرا. ثم اشتدت حرب الكيان المحتل مع حزب الله من 23 أيلول، عندما وسعت قوات الاحتلال هجماتها وقتلت زعيم حزب الله وأحد مؤسسيه الكبار، حسن نصر الله.
عانت بلدة الخيام، إحدى أكبر المدن الواقعة قرب الحدود الجنوبية للبنان، من أضرار واسعة النطاق، بضمنها كتل كاملة تحوّلت إلى أكوام من الركام. يمكن رؤية كتابات الغرافيتي التي خلفتها قوات الاحتلال على الجدران وكذلك داخل المنازل؛ كما تعرّضت مقبرة البلدة لأضرار بالغة، حيث تم تفجير العديد من القبور.
قبل عدة أيام، كان العمال يزيلون الأنقاض من مواقع مختلفة داخل البلدة حيث يأتي العديد من السكان خلال النهار لقضاء بضع ساعات لتنظيف محيط منازلهم ويغادرون قبل غروب الشمس حيث لا تزال البلدة بدون كهرباء أو مياه. وكانت شركة الكهرباء المملوكة للدولة تقوم بتركيب أعمدة جديدة، إذ تعرضت البنية التحتية للمنطقة إلى أضرار جسيمة.
"في الخيام استشهد الجميع"، هكذا كتب أحدهم على الجدران المهدمة ، فيما تجد عبارة أخرى على جدار آخر تقول "الخيام مقبرة غولاني،" كإشارة إلى لواء الجولاني التابع لقوات الاحتلال. ولدى دخولها إلى منزلها عند الحافة الشرقية لبلدة الخيام، أظهرت امرأة لصحفي رسما لنجمة داود السداسية مرسومة باللون الأحمر عند مدخل المنزل. ثم تجولت المرأة، التي طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، بين جدران منزلها وأظهرت للمراسل الأضرار التي لحقت بغرفة الجلوس والمطبخ وبقية الملحقات.
المستقبل غامض
قالت عبد الله إنها عندما جاءت لأول مرة إلى الخيام بعد أيام من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ أواخر تشرين الثاني الماضي، وجدت القطط والكلاب الجائعة داخل متجرها المتضرر بشدة قد التهمت الكعك والكرواسون والشوكولاتة، وقالت إن الباب المعدني لمتجرها كان مفتوحا على مصراعيه. وعبرت المرأة المنكوبة عن شعورها بالحزن عندما رأت منزلها الذي بناه والدها الراحل وقد دمر، لكن لم تخف شعورها بالفرح، لأن أحدا من أشقائها أو أقاربها لم يصب بأذى أثناء الحرب.
قالت السيدة صباح إنها بعد انتهاء الحرب بفترة وجيزة، دفعت لها مؤسسة "جهاد البناء" التابعة لحزب الله مبلغا قدره 12 ألف دولار، منها ثمانية آلاف دولار لتعويضها عن الأثاث المحطم و4 آلاف دولار عن بدل إيجار لعام كامل. أكدّت أنها منذ بدء الحرب بين الكيان المحتل وحزب الله، استأجرت منزلا في بلدة مركبا القريبة وأنفقت معظم مدخراتها وكانت تبيع بعض مجوهراتها لتسيير بعض شؤونها المادية؛ منوّهة بأنها تنتظر الآن اللجان الحكومية لزيارتها وتقدير الخسائر لتقديم أموال التعويضات، لأجل إعادة بناء منزلها المكون من طابقين حيث كانت تتقاسمه مع شقيقها.
وقالت السيدة صباح: "سأعيد بناء منزلي، لكن المستقبل غامض، فنحن نعيش بالقرب من الحدود، مشيرة إلى الحروب المتكررة مع الجار العدو طيلة العقود الماضية.
أما دلال عبدالله، وهي من سكان الخيام، فقد قالت إنه إذا قرر الكيان المحتل البقاء في جنوب لبنان، فسوف تضطر إلى الرحيل مرة أخرى قبل العودة إلى بلدتها من جديد. "لقد دفعنا دماء وأرواحا غالية من أجل هذه الأرض، ولا ينبغي لأحد أن يتصوّر أننا سنغادر أرضنا."
وكالة اسيوشيتد برس الاخبارية