موانئ النفط الكبرى تواجه خطر الإغراق

بانوراما 2025/02/25
...

 دايميان كارينغتون

 ترجمة: شيماء ميران


يبدو انه من المتوقع تعرض الموانئ بأضرار فادحة بما فيها السعودية والاميركية، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر مترا واحدا. إذ يتوقع محللون أن ارتفاع مستويات سطح البحر الناتج عن التغيّرات المناخية ستُغرق العديد من موانئ النفط العالمية الكبرى.

يوضح العلماء أن التهديد كهذا يثير السخرية، لأن ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض هو حرق الوقود الأحفوري، كما أن الحد من الانبعاثات والانتقال إلى استخدام الطاقة المستدامة، سيقلل هذا الارتفاع ويوفر طاقة فعّالة اكثر. فقد توصلت دراسة تحليلية إلى انه بمجرد ارتفاع مستوى سطح البحر مترا واحدا فقط، ستتعرض 13 ميناء مكتظة بحركة ناقلات النفط العملاقة إلى أضرار جسيمة. ويشير الباحثون إلى أن اثنين من الموانئ السعودية المنخفضة وهما (راس تنورة وينبع) سيواجهان هذا الخطر بنحو خاص، ورغم انهما يداران من قبل شركة النفط السعودية "ارامكو"، لكن 98 بالمئة من صادرات النفط السعودي ستغادر هذه الموانئ.

وتضاف إلى القائمة أكبر موانئ تصدير النفط الاميركية في هيوستن وغالفستون، فضلا عن الموانئ الاماراتية والصينية والسنغافورية والهولندية.

تشير دراسة حديثة نشرتها منظمة "مبادرة مناخ الغلاف الجليدي" الدولية  (ICCI)الى أن ارتفاع مستوى سطح البحر مترا واحدا سيحدث في غضون قرن من الزمن أو نحو ذلك وربما خلال العام 2070، إذا ما انهارت الصفائح الجليدية، ولم يتم الحد من الانبعاثات. غير أن الكارثة الاكبر احتمالية هي ارتفاع المستوى إلى ثلاثة أمتار، وهو أمر لا محال حدوثه مع حلول الألفية القادمة، وربما مطلع القرن الثاني والعشرين المقبل. 

يتسبب ارتفاع مستوى مياه البحر فعلا بأضرار تشمل جميع انحاء العالم حتى قبل أن يغطي مشاريع السواحل. إذ يشير الباحثون إلى أن هذا الارتفاع الحاصل حتى اليوم يعني تزايد هبوب العواصف والتسبب بالفيضانات الساحلية، فيما يؤدي تسرب المياه المالحة إلى الأراضي الساحلية بتآكل الاساسات. ما يعني أن خفض الانبعاثات بسرعة لن يُبطئ معدل ارتفاع مستوى سطح البحر فحسب، بل سيحد منه نهائيا.

تقول "بام بيرسون" مدير المبادرة الدولية: "من السخرية أن تقع موانئ ناقلات النفط هذه على ارتفاع اقل من مستوى سطح البحر بمتر واحد، لذا نحتاج إلى مراقبة ارتفاع المعدلات المحتملة لمستوى سطح البحر والناتجة عن الاستمرار باستخدام الوقود الاحفوري".

يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر التأثير الاخطر على المدى الطويل لازمة المناخ، وهو الذي سيعيد رسم خريطة العالم ويؤثر في العديد من المدن الكبرى بدءًا من نيويورك وصولا إلى شنغهاي. وتوضح "بيرسون" ان مصالح الحكومات والشركات قصيرة الامد تتعمد تجاهل هذا الامر: "يبدو ان الحكومات لم تدرك بعد المعلومات الاساسية من التقديرات العلمية لارتفاع مستوى سطح البحر". 


موقف آرامكو

يقول "جيمس كيركهام"، كبير المسشتارين العلميين ضمن المبادرة الدولية: "ان الامتناع عن اغلاق صنابير النفط يعني استمرارها بالعمل مع ارتفاع مستوى سطح البحر، ومع ذوبان الجليد المتسارع وتوسع المحيط، الذي ضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر خلال الثلاثين سنة الماضية، واذا ما تخلى قادة الدول عن جهود وقف استخدام الوقود الاحفوري، فان التاثيرات المخيفة لارتفاع مستوى سطح البحر ستتضاعف، وهو ما يؤثر على جميع الدول ذات السواحل بما فيها تلك التي تستمر في عرقلة الجهود لازالة الكربون المتزايد".

قد تُوجه أصابع اللوم إلى السعودية بعرقلة سلسلة من مؤتمرات المناخ العالمية الاخيرة، وعرقلة تقدم  المفاوضات بشأن معاهدة البلاستيك ومكافحة الجفاف والتصحر، حتى أن المحادثات الاخيرة التي شهدتها العاصمة الرياض انتهت دون التوصل إلى اتفاق، إذ رفض الجانب السعودي تضمين أي إشارة إلى المناخ في الاتفاق.

لقد اعتمد التحليل الحديث على عمل أجرته منظمة (مخاطر المياه في الصين-  China Water Risk) خلال ايار الماضي، إذ وجد الباحثون فيه إلى أن 12 من 15 من الموانئ النفطية المكتظة بحركة ناقلات النفط معرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر. لقد استخدمت مجموعة تصفير الكاربون البحثية خرائط المركز المناخي وخرائط غوغل المتعلقة بمعدلات مستوى سطح البحر، بغية ايضاح أن ارتفاع هذا المستوى مترا واحدا من شأنه أن يلحق الضرر بالمرافئ ومنشآت التخزين والمصافي ومرافق البنية الاساسية الأخرى.

وأضاف تحليل المنظمة ميناء ينبع السعودي، الذي يواجه أيضا مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر مترا واحدا. واستخدم فريق البحث بيانات (بلومبيرغ) لصادرات النفط لغرض تقدير حجم وقيمة النفط المستورد والمصدّر من الموانئ. ووجدوا ان قيمة صادرات النفط من ميناءي (راس تنورة وينبع) معا للعام 2023 بلغت 214 مليار دولار. وكانت صادرات المؤانئ الثلاثة عشر جميعها تقدر بنحو عشرين بالمئة من صادرات النفط العالمية للعام 2023. 

يقول "موراي وورذي" احد اعضاء فريق البحث: "أن هذا التحليل يُظهر الاعتماد المتزايد على الوقود الاحفوري وسط عالم دافئ يمهد الطريق إلى الكارثة، وليس لتأمين الطاقة"، مضيفا أن "امام الدول الاختيار بين التمسك بالوقود الاحفوري والمجازفة بانقطاع الامدادات عند ارتفاع منسوب مياه البحر وانغمار الموانئ والمحطات بها، أو الانتقال إلى مصادر طاقة متجددة محلية آمنة ومستدامة".

قد تكون الجهود المبذولة هي لبناء دفاعات الفيضانات والتي تكون مكلفة جدا، لكن وورثي يوضح: "في النهاية، هي معركة خاسرة، إذ يتعين علينا بمرور الوقت ان نستمر ببناء جدران بحرية أعلى كلما تزايد الخطر".


عن صحيفة الغارديان البريطانية