الركن الرمضاني بين العادات والتقاليد والعمل الإنساني

ريبورتاج 2025/02/26
...

 بغداد: غيداء البياتي

في الوقت الذي تزدحم فيه المتاجر بالفوانيس والزينة استعداداً لشهر رمضان، اختارت باهرة المعموري، أن تسلك طريقاً مغايراً. لم تفتنها الأضواء ولا النقوش المزخرفة التي تملأ الأواني الرمضانية، بل توجهت بقلبها إلى دروب العطاء، فقررت أن تحول بهجة الشهر الكريم إلى فرح يسكن بطون الجياع وقلوب المحتاجين، مستبدلة الزينة المعلقة على الجدران بموائد إفطار تمتد لتلامس حاجات أسر تبحث عن لقمة العيش. "الزينة لا تطعم جائعاً"، تقول باهرة، مضيفةً أنها ستقضي أيام رمضان بين العبادة ومد يد العون لمن أثقلهم ضيق الحال، لتجعل من كل يوم في هذا الشهر محطة للعطاء الإنساني الحقيقي.

تقاليد متوارثة

بينما يختار البعض استقبال شهر رمضان بروح العطاء والعمل الخيري، تتمسك نادية السامرائي، البالغة من العمر 59 عاماً، بجذور العادات والتقاليد التي ورثتها عن والدتها، معتبرة أن للطقوس الرمضانية طعماً خاصاً لا تكتمل فرحة الشهر الكريم من دونها. قبل أسبوع على الأقل، تبدأ استعداداتها بتنظيف المنزل وتزيينه بالنشرات الضوئية، في طقس تتشاركه الأسرة بفرح غامر. تقول نادية: "كنا نشعر بالسعادة ونحن نضع الزينة ونوقد الشموع في أول أيام رمضان، واليوم أرى ابنتي تحافظ على هذا التقليد، مخصصة ركنًا رمضانيًا يجمع الأسرة لصلاة التراويح وتلاوة القرآن".

وترى السامرائي أن هذا الركن لا يضفي فقط أجواء روحانية على المنزل، بل يعزز أيضاً من ارتباط الأبناء بقيم الصوم والعبادة، مشيرة إلى أن المجسمات التراثية والإنارة الجذابة التي يحتويها تساعد الأطفال على التعلق بتراثهم والتقرب إلى الله أكثر.


تغذية الإنسانية

المعلم في مدرسة القسطل الابتدائية محمد العبادي شعر بالراحة النفسية عند دخوله المنزل بعد عودته من العمل، مستنشقاً رائحة البخور وهي تفوح من المبخرة التي كانت زوجته قد وضعتها على طاولة صغيرة بجانب جلسة لقراءة القرآن والصلاة في أيام شهر الطاعة والغفران، فقال:"عندما شاهدت الركن الرمضاني شعرت أني سأعيش العيد ثلاثين يوماً، فلطقوس رمضان نكهة مميزة، ابتداء من الاستعداد إليه حتى آخر يوم فيه، وأنا أنصح كل امرأة أن تستعد لأيام شهر البركة روحياً ودينياً وأن تهتم بالصلاة وقراءة القرآن في زاوية تخصصها للعبادة على أن تكون هادئة ومحببة لها ولجميع أفراد الأسرة".

وبعيداً عن الإسراف والمبالغة يقول العبادي:"أهم من توفير الاكسسوارات الرمضانية الباهظة الثمن هو النظافة والإنارة الهادئة ووجود القرآن الكريم وسجادة الصلاة في الركن المخصص للعبادة، كما أن على الوالدين تعليم أولادهما على حب الخير ومساعدة الآخرين وضرورة تغذية الإنسانية من خلال وضع حصالة نقود في الزاوية الرمضانية تخصص للفقراء تملأ من قبل أفراد الأسرة، ويتم توزيعها أسبوعياً بين المحتاجين". 


شعائر الله 

عضو المجمع الفقهي العراقي والتدريسي في كلية الإمام الأعظم د. عبد الكريم ناصر أوضح بالقول :" الركن الرمضاني هو مصطلح ربما جديد، قديم، فكل الأسر العراقية في عموم العراق تعتز بشهر رمضان وطقوسه ويعتبرونه فريداً من نوعه بنفحاته وأيامه ولياليه المباركة، لذلك فهنالك مشاعر ومظاهر كثيرة يتحلى فيها هذا الشهر، منها صلاة التراويح وقراءة القرآن في المساجد وتلقي الدروس 

والمواعظ، ونرى الأسرة تجتمع بألفة ومحبة سواء في بيت العائلة أو في بيوت الأولاد والأقارب، فالركن الرمضاني يعد من مكملات الشهر المبارك، ولا شك أنه مستحب وفيه أجر وثواب، لأنه نوع من البهجة والسرور يسهم في ترتيبه أفراد الأسرة استعداداً منهم لممارسة الطقوس الرمضانية المحببة مثل ختم القرآن والصلاة وغيرها".

ناصر أكد أن السلف قديماً كانوا يحتفلون بقدوم شهر رمضان وينيرون الدروب والأسواق، ويعدونها من مكملات الشهر العبادية، لذلك فقد شجع على ديمومة هذه المظاهر وقال :"إن اهتمام الأسرة وربة البيت بترتيب وتخصيص ركن رمضاني في المنزل للعبادة يعد جزءاً من الاحتفال والفرحة والسعادة بقدوم شهر الخير وإن بقاء تلك المظاهر يعني أن الأمة الإسلامية تعتز بشعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".  

    

الرأي الاجتماعي 

عميد كلية التربية، بجامعة التراث والباحثة في علم الاجتماع د. ناز بدر خان السندي قالت:"الركن الرمضاني يعد من أنواع الاستعداد لاستقبال شهر المغفرة وهو بمثابة التراث والعادات والتقاليد المتوارثة بالنسبة للأسر العراقية لذلك، فإن أغلب الأسر تهتم بتخصيص هذا المكان كرمز لديمومة العادات والتقاليد وفرحة بقدوم شهر الله، الذي يجمع أفراد الأسرة على الصلاة و قراءة القرآن وغيرها من الشعائر الدينية، ومن الناحية الاجتماعية فإنه محبذ وجميل للجميع حتى الأطفال يشعرون بالسعادة عند الاستعداد بوضع زينة رمضان وإيقاد شموع الفوانيس والنشرات الضوئية ويجعلهم يتعلمون قيم العبادة والشعور بالفقراء ومساعدتهم، فنرى أغلبهم يبدؤون الصوم من أول يوم مع الكبار ابتهاجاً برمضان الذي يجمعهم بالأهل والأقارب".

السندي أكدت أن المتخصصين بالعلوم النفسية والاجتماعية يشجعون الأسر على تواجد الطقوس والعادات الجميلة التي تجمع أفراد الأسرة والأقارب، لا سيما الاهتمام بوجود الركن الرمضاني والزينة الخاصة بهذا الشهر الكريم وتنظيف وترتيب المنزل وواجهته، وهذه الأشياء تعزز الشعور بهوية الإسلام وتجمع أفراد الأسرة تحت سقف صلة الرحم التي أوصى بها الدين الإسلامي، خاصة أن الأسرة بدأت تتشتت في السنوات الأخيرة بسبب الانترنت، ولم يعد هناك تقارب اجتماعي وأسري، مبينة أن الاستعداد لرمضان يجب أن يكون روحياً وفكرياً، قبل كل شيء، وعلى أفراد الأسرة جعل هدفهم الأول من تخصيص الركن الرمضاني هو العبادة والتقرب إلى الله وطلب المغفرة فهو جوهر الفكرة".


الإسراف والتباهي 

بدر خان أوضحت :"أن الاهتمام بالاستعداد لشهر رمضان وطقوسه وعاداته وتقاليده مهم وفيه فوائد أسرية واجتماعية كثيرة، لكن على ربة الأسرة ألا تبالغ في صرف الأموال وتقتني المفارش والاكسسوارات الرمضانية الباهظة الثمن، فالمغالاة والتباهي في الشراء يجعلانها تقع في خطأ الإسراف والتبذير اللذين نهى الله عباده عنهما، والأجدر بها أن تهتم بنظافة المكان وجمال المنظر، ووضع القرآن وازار الصلاة فهو شهر القرآن والعبادة، كما أنه شهر الرحمة والمغفرة والصدقات والأعمال الخيرية التي تعزز الروح الإيجابية لدى المحتاجين وتعمل على بث الفرح والسعادة في نفوسهم، فأيام رمضان الـ"30" يوماً تعد مهمة للقيام بالأعمال الخيرية ومساعدة الآخرين سواء بالمال أو الطعام أو توزيع الهدايا بين الأيتام وأولاد الفقراء، فتلك هي صفات المسلم الرحيم".