{أُحلّ لكم ليلة الصيام}

منصة 2025/03/02
...

جواد علي كسار

ترتبط بالآية (187) من سورة البقرة واقعتان لهما صلة بالصائمين وشهر الصيام، هما:

الأولى: إن النكاح كان حراماً على الصائمين في شهر رمضان بالليل والنهار، والبعض لا سيّما الشباب كانوا يتحايلون على ذلك بممارسة الجماع، وقد اعترف بعضهم بذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله، فجاء قوله سبحانه: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ﴾ مع إشارة صريحة لما كان يفعله هذا البعض: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ (البقرة: 187) ليرفع ذلك المنع الابتدائي.

أكثر من ذلك تحوّل الأمر بعد الآية إلى استحباب إتيان الأهل ليلة الأول من شهر رمضان، على خلاف بقية الشهور كما تُفيد الروايات: «يُستحب للمسلم أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان، لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ﴾ والرفث "المجامعة". كما أيضاً عن الإمام أمير المؤمنين: «يُستحبّ للرجل أن يأتي أهله» (نور الثقلين، ج 61 في ظلّ الآية 187 من سورة البقرة).

الثانية: بمراجعة كتب التفسير والحديث عند المسلمين، يتبيّن أن الصيام كان يمتدّ من العتمة إلى العتمة؛ أي من بعد صلاة العشاء إلى صلاة المغرب من اليوم التالي، لتقتصر فسحة الإفطار والحقُّ بتناول الطعام والشراب، على مدة زمنية وجيزة تمتدّ بين وقت دخول صلاة المغرب إلى أول غفوة بعد صلاة العشاء؛ فكلّ من صلى العشاء ونام ولم يفطر، ثم انتبه، حُرّم عليه الإفطار وتناول الطعام والشراب.

تجمع كتب التفسير والحديث تعضدها مدوّنات السيرة والتاريخ، أن شيخاً كبيراً من الأنصار كان طاعناً بالشيخوخة والضعف، اسمه خوّات بن جبير الأنصاري، كان يعمل مع النبي صلى الله عليه وآله في حفر الخندق وهو صائم، فأمسى على هذه الحال من التعب والجوع والعطش، زادها ما فيه من الشيخوخة والضعف.

عندما عاد إلى منزله مرهقاً تعباً، سأل أهله: هل عندكم طعام؟ فقالوا: لا تنم حتى نُصلح لك طعاماً. لكن الرجل اتكأ ليستريح من تعبه، فغلبه النوم. وعندما انتبه من نومته، ذكر له أهله أنه قد غفا أثناء تكيته ونام، فما كان له إلا أن سلّم أمره لله سبحانه، فبات على تلك الحال لم يشرب ولم يتناول الطعام.

عندما أصبح التحق بالنبي وبقية المسلمين في عملية حفر الخندق، فجعل يُغشى عليه من التعب والإرهاق معهما الجوع والعطش والضعف، فمرّ به رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو على هذه الحال من شدّة المعاناة، فأخبره قصته وكيف كان أمره، عندما أراد أن يستريح فغلبه النوم؛ عندئذ نزل قوله سبحانه: 

﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ﴾ (البقرة: 187).

وبذلك استقرّ توقيت الصيام عند المسلمين من حلول الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وأحلّ لهم الطعام والشراب والنكاح وجميع المفطرات، ما بين غروب الشمس إلى الفجر الصادق.