اللَّيثُ يبتسمُ

الصفحة الاخيرة 2025/03/03
...

عبدالهادي مهودر

هل الصورة الصحفية لحظة زمنيّة تقرر مصير القصة الكاملة للحدث وتختصرها بضغطة زر ؟ نعم ممكن، ولكن ألا يمكن أن تكون الصورة خادعة والحركات مزيفة والعيون خائنة والابتسامات محض مجاملة كاذبة كابتسامة الأسد حين يكشّر عن أنيابه؟ أين نحن من هذه الفرضية في لحظة (الطفگة)؟ ورحم الله ابو الطيب المتنبي الذي لم يدَّعِ أنه خبير في لغة الجسد رغم أنه القائل (إذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظننَّ أن الليث يبتسمُ) أي أن لغة الجسد حسب شاعر الحكمة، المولود قبل عصر التفاهة بمئات السنين، قابلة للتزييف والخداع وأن الشخص الظاهر أمامكم في الصورة قد يكون ماهراً في تزييف لغة الجسد يخدعنا مثل الأسد المبتسم (ويقشمرنا) بحركاته التي لا تعبر عن مشاعره الحقيقية ولا عن نواياه وعقله الباطن، قد يكون ذكياً او (لوتي) يتفنن في خداع الجمهور في اللحظة التي يرى فيها الكاميرا ويستحضر كل شياطينه في لحظة التقاطها ، خاصة أن المصور قد يكون أحيانا شريك في هذه الجريمة، ولا أتعجب من هؤلاء الذين يستخدمون ذكاءهم من أجل إرسال رسائل غير صادقة عبر الصور، ولكن العجب كل العجب من هذا العدد الهائل من (خبراء لغة الجسد) الذين يظهرون علينا في مواقع التواصل الاجتماعي وهم يفسرون القصة كلها بلحظة مجتزأة عابرة مقصودة او غير مقصودة، ويزجون انفسهم في غير تخصصهم ويساهمون دون قصد بإشاعة التضليل والخداع ودعم التزييف وتصديق المجاملات الصورية والحركات المصطنعة التي نراها أمام الكاميرات فقط ، وأعذروني من الصراحة فكثير من الكتابات المستعجلة عن لغة الجسد تكشف عن سطحية وسذاجة (فرط صوتية) وتكاد تكون مضحكة فالصورة الواحدة الجامدة ماهي إلا جزء من مشهد كبير ووراءها كلام آخر مختلف لايتطابق معها و نفس بشرية تكمن خلف الصورة الحقيقية وهناك عشرات المواضع في جسدنا تمارس هذه الوظيفة الاتصالية من أصابع القدمين حتى هامة الرأس لايمكن ترجمتها بهذه السطحية حسب مزاجنا ونسج القصص الخيالية حولها، وترجمة وفهم لغة الجسد تخصص دقيق للمساكين المتخصصين الذين أصبحنا نزاحمهم في عملهم ولانعطيهم فرصة للحديث وسرقنا وظيفتهم جهاراً نهاراً، ولعل صاحب عبارة (صورني واني ما ادري) الذي يبدو بسيطاً في تعبيره أكثر عمقاً ودراية ويقدم لنا نصيحة على طبق من ذهب بأن الذي يتم تصويره ويدعي أنه لايدري ماهو إلا شخص يتصنع الحركات والابتسامات والبساطة ولا يتواضع للناس ولا تدمع عيناه إلا أمام الكاميرا ، فشكراً للمتنبي الكبير، وشكراً موصولاً لصاحب المقولة الشعبيّة (صورني يعطواني) الذي كشف زيف الصور وأعطاناً درساً إعلامياً مجانياً يستحق أن يدرّس في كليات الخيال العلمي التي تخرّج خبراء بلغة الجسد، والحمد لله رب العالمين.