ألكسندر كلاب: حروب وقمامة

ثقافة 2025/03/03
...

  أندرو أنتوني

  ترجمة وإعداد: نادر رضا


دراسة عالمية لصناعة النفايات تكشف كيف تقوم الدول الغنية بإلقاء قمامتها على الفقراء، بينما يستمر معدل إنتاجنا للنفايات شبه غير القابلة للتحلل في الازدياد.


أنت تعرف الإجراء: تُوضع المواد البلاستيك والزجاج في صندوق إعادة التدوير الأزرق، والورق والكرتون في الكيس الأزرق، والنفايات النباتية في صندوق السماد الأخضر، والباقي في صندوق القمامة العام الرمادي. الأسر في جميع أنحاء البلدان المتقدمة تقوم بتنفيذ هذه المهام المألوفة لفصل النفايات كل أسبوع. ولكن أين تذهب كل هذه النفايات في النهاية؟

نعم، تُوضع في الشاحنات التي تقوم بجمعها، ولكن ماذا يحدث بعد ذلك؟ إنه نوع من الإيمان الذي يجعلنا نتخيل أن نفاياتنا التي قمنا بتصنيفها بعناية – أو ربما ليس بعناية كافية – يتم نقلها إلى المكان الصحيح حيث يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتخلص منها بأكثر الطرق منطقية ومراعاة للبيئة.

أو لنضع الأمر بشكل أكثر وضوحًا، معظمنا لا يفكر في الأمر مرة أخرى بمجرد انتهاء المهمة الأسبوعية، وإفراغ الصناديق، وقيام جامعي القمامة بمهامهم. ومع ذلك، هناك مجموعة كاملة من الكتب بعناوين مثل "أرض النفايات" و"النفايات والرغبة" التي تتناول الحقيقة القذرة حول المكان الذي تنتهي إليه جميع عبواتنا الاستهلاكية.

الأحدث في هذا النوع هو كتاب "حروب النفايات: الصفقات القذرة، المنافسات الدولية والحياة اللاحقة الفاضحة للنفايات " لألكسندر كلاب، ومثل سابقيه، فإنه لا يُبشّر بأخبار جيدة. هناك سبب يجعل زعماء المافيا يعملون في "إدارة النفايات"، لأنها عالم تجاري مظلم وغير سار، لا يرغب الكثيرون في النظر إليه – أو شمه – عن كثب.

الكسندر كلاب لا يملك مثل هذه المخاوف الحسية. إنه يغامر بالذهاب إلى جميع أركان الأرض لسماع قصص عن التخلص غير القانوني من النفايات على نطاق هائل، وإجراءات إعادة التدوير المشكوك فيها، والقصة المتكررة عن ترك الفقراء ليتعاملوا مع القمامة التي يتخلص منها العالم الغني.

في مقدمة الكتاب اللاذعة، يكتب عن رقاقات GPS التي وضعها نشطاء في صناديق إعادة التدوير لمعرفة أين تذهب المحتويات. في أحد الأمثلة، تم تتبع كيس بلاستيكي تم تركه خارج متجر تيسكو في لندن إلى هارويتش في هولندا، ثم إلى بولندا، قبل أن ينتهي به المطاف على بعد 2000 ميل في ساحة صناعية في جنوب تركيا مليئة بالقمامة الأوروبية.

كما يستشهد بتقرير صدر عام 2020 في مجلة Nature والذي وجد أن "الكتلة الكلية للأشياء المصنوعة بواسطة البشر... قد اصبحت مساوية للكتلة الحيوية الكلية للكوكب نفسه". كل هذه الأشياء – المباني، السيارات، القش البلاستيكي – لها مستويات مختلفة من التقادم، ولكن عاجلاً أم آجلاً تتحول إلى قمامة، بعضها قابل لإعادة التدوير ولكن الكثير منها ليس كذلك.

اهتمام ألكسندر كلاب أقل بالآثار العالمية، على الرغم من أنه يعترف بالتلوث الواسع النطاق وتأثيراته على تغير المناخ، ويهتم أكثر بالتفاوتات في توزيع القمامة نفسها. بمعنى ما، إنه نوع من النقد لاستهلاك الرأسمالية وتفاوتاتها الاقتصادية من خلال النظر ليس إلى قوة الشراء ولكن إلى قوة التخلص من النفايات لدى الأغنياء. إنه كتاب عن كيف يتخلص الشمال العالمي من نفاياته الى الجنوب العالمي.

هذه هي نقاط قوته وضعفه، لأنه على الرغم من أن كلاب يقدم حجة قوية حول الحقيقة غير العادلة والرمزية للغاية المتمثلة في عمل الضعفاء في ظروف غير صحية لإعادة تدوير أو دفن قمامة الأقوياء، إلا أن هذا يقوده إلى عدد من الطرق المسدودة.

في النصف الأول من الكتاب نراه يطير حول العالم بحثًا عن قصص تعزز رأيه. ففي غواتيمالا، هناك حكايات عن أرض نفايات سرية حيث يتم دفن المواد الكيميائية الخطرة، نوع من إلدورادو السام "في الأساطير الدورادو هي أرض أسطورية يعتقد انها مليئة بالذهب والثروات لكنها هنا مليئة بالنفايات السامة والخطرة)، ولكن لم يتم العثور على أي دليل على وجودها. لذلك يستنتج أن الأمر الأكثر مأساوية أن الغواتيماليين سيظلون يتساءلون إلى الأبد عما إذا كانت هذه القصة صحيحة أم لا.

قصص في بنين (دولة في غرب افريقيا) وجزر مارشال حول خطط لإلقاء النفايات المشعة والصناعية أيضًا تفشل في التحقق، جزئيًا بسبب الاحتجاجات الناجحة بعد الكشف عن الخطط. يستنتج كلاب: "أكثر الجوانب إثارة للقلق في تجارة النفايات الخطرة؟ ليس ما نعرفه. بل ما لا نعرفه..  صفقات التخلص من النفايات التي حدثت حدثت بالضبط لأنها لم تُكشف – وعلى الأرجح لن تُكشف أبدًا".

هذا قد يكون صحيحًا، لأنه، كما يوضح المؤلف، عالم مليء بالمجرمين والمقاولين من الباطن وأعلام الموانئ الملائمة (تسجيل السفن تحت اعلام دول أخرى غير الدول التي يتبعها مالكو السفن للاستفادة من التسهيلات القانونية)، وكلها تحجب الحقائق القذرة. ولكن هذا يقوض إلى حد ما عنصر الاكتشاف في الكتاب. ومع ذلك، فهو قوي في توضيح كيف أن الصين، التي كانت لفترة طويلة مكبًا للنفايات البلاستيكية الغربية، حظرت استيراد النفايات البلاستيكية في عام 2018 فقط لإرسال وكلائها إلى الخارج إلى دول مثل تايلاند والفلبين لمواصلة الأعمال المشبوهة.

القضية الحقيقية، مع ذلك، هي المعدل الذي لا ينفك عن النمو والذي نستمر من خلاله في إنتاج هذه القمامة شبه غير القابلة للتحلل. على الرغم من أننا نريد أن نصدق أننا نقوم بدورنا من أجل الكوكب من خلال استخدام صناديق إعادة تدوير النفايات كل أسبوع، إلا أنه في كثير من الأحيان، يبدو أننا ببساطة ننقل المشكلة بعيدًا ونتركها مع الفقراء الذين لا صوت لهم.

The Guardian