لوح سومري يكشف سر اصطدام كويكب بالأرض

بانوراما 2025/03/04
...

 سايمة بيغ

ترجمة: شيماء ميران


تبدأ قصة خريطة النجوم، التي صورت اصطدام كويكب قديم بالأرض قبل 150 عاما، عندما عثر "السير أوستن هنري لايارد"، عالم الآثار البريطاني خلال عهد الملكة فيكتوريا، على خريطة نجوم سومريَّة قديمة ضمتها المكتبة الملكية السرية لقصر "آشور بانيبال" بمدينة نينوى، والتي سُميت على اسم آخر ملوك الامبراطورية الآشورية الحديثة الذي امتدت فترة حكمه من 669 ق.م إلى 631 ق.م.

لقد ضمت هذه المكتبة مجموعة لأكثر من ثلاثة آلاف لوح طينيّ، وقطعا تضمنت مجموعة كاملة من النصوص وبلغات مختلفة تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد. وهي المكتبة ذاتها التي عُثر فيها على لوح طيني منقوش عليه ملحمة كلكامش الشهيرة بالخط المسماري، وهو أحد أقدم أشكال الكتابة "شكل الأسفين" بسبب استخدامهم القصب المقطوع للنقش على الألواح الطينية. كما ضمت لوحاً طينياً دائري الشكل صنعه أحد الآشوريين عام 700 ق.م تقريبا.

وبعد مرور 150 عاما، يُظهر تحليل اللوح بأنه عبارة عن أقدم أداة فلكية المعروفة باسم "الاسطرلاب"، ويعكس صورة السماء فوق بلاد ما بين النهرين منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وتُصور أجزاؤه المنقوشة على شكل قرص مخطط للنجوم وقياساتها منقوشة على حافته. واليوم، توجد "خريطة النجوم الدائرية" ضمن مقتنيات المتحف البريطاني برمز (K8538) كحجر يبلغ قطره 13 سم وسمكه 3 سم تقريبا.

مع أن العثور على شيء من مكتبة قديمة أمر رائع، لكن لوح خريطة النجوم كان يتضمن مفاجأة أخرى. إذ قدم دليلا على تطور علم الفلك السومري، ويروي لنا قصة عالم فلك سومري رصد اقتراب كويكب ضخم من الارض يوم 29 حزيران من العام 3123 قبل الميلاد، وشاهد سقوط هذا الجسم الناري عبر الغلاف الجوي، ووصفه بأنه "كرة حجرية بيضاء تسقط من السماء". ورغم فقدان 40 بالمئة تقريبا من أجزاء اللوح الدائري بسبب أعمال النهب التي تعرضت لها نينوى، لكن الخبراء يُشيرون إلى أن اللوح تمكن من قياس مسار هذا الجرم السماوي بدقة، وبنسبة خطأ بلغ أقل من درجة واحدة بالمئة. 

لقد حيّر هذا اللوح العلماء طيلة هذه السنين لأنهم لم يتمكنوا من تحديد الحدث الذي يُشير اليه. حتى العام 2008، عندما استخدم باحثان من جامعة "بريستول" برامج محاكاة حديثة للمسارات وأعادوا تشكيل أوضاع خريطة السماء لعدة آلاف من السنين. وتوصلوا إلى أن النص المسماري على اللوح يشير إلى سقوط كويكب قديم في مكان ما من أوروبا قبل اكثر من 5600 عام، وهو ما يُعرف بحادثة تأثير "كوفليس"، إذ بلغ قطره كيلومترا واحدا تقريبا، وقال الباحثون إنه اصطدم بجبال الألب جوار منطقة "كوفليس" بالنمسا. حيث شهدت هذه المنطقة انهيارا أرضيا عملاقا قديما، بعمق 500 متر وقطره خمسة كيلومترات. وشغل الجيولوجيون منذ رصده لأول مرة خلال القرن التاسع عشر بالبحث عن اصوله. وكان المعتقد سابقا أنه ربما نتج عن اصطدام نيزك كبير، لكن هذا الرأي لم يعد مقبولا، لأن حفرة "كوفليس" لم تكن موجودة، ما يعني أنه لم يكن له أي تأثير.

موقع الاصطدامصص

يكشف اللوح ملاحظات سجلّها فلكي سومري لأحداث شهدتها السماء قبل فجر 29حزيران عام 3123 ق.م، تُظهر على نصف اللوح مواقع الكواكب وحتى مدى الغطاء السحابي، أما النصف الآخر فيسجل جسما كبيرا اخترق ليل السماء. واظهرت برامج المحاكاة التي أجراها باحثو جامعة "بريستول" أن مسار هذا الجسم المنقوش على اللوح بالنسبة للنجوم يعكس تأثير "كوفليس". ويُشير الرصد إلى أن قطر الكويكب يزيد عن كيلو متر واحد، ومداره الاصلي حول الشمس كان من نوع "آتن"، وهو تصنيف للكويكبات التي تدور بالقرب من الارض وتتأثر بمدارها. وهو ما  يفسر عدم وجود حفرة "كوفيلس". وقد تشير زاوية دخول الكويكب بدرجة اقل من ستة إلى أنه اصطدم بجبل "غامسكوغل" والمطل على بلدة "لانغنفيلد" وعلى بعد 11 كيلومترا من "كوفيلس". ما تسبب بانفجاره قبل الاصطدام النهائي، ليصبح كرة نارية يبلغ قطرها خمسة كيلومترات تقريبا تدحرجت إلى أسفل الوادي.

وفقا لباحثي جامعة "بريستول": "إن الكويكب عند اصطدامه بمنطقة "كوفيلس"، ولّد ضغطا هائلا تسبب بسحق الصخور مع انهيار أرضي، ولأنه لم يعد جسما صلبا؛ فلَم يخلق حفرة اصطدام كما هو معروف".

يقول "مارك هيمبسيل" أحد الباحثين: "يمكن الوصول إلى استنتاج آخر من المسار. إن سحابة الغبار الناتجة من الانفجار يفترض أنها خيمت فوق البحر الأبيض المتوسط قبل عودتها إلى الغلاف الجوي فوق منطقة بلاد الشام وسيناء وشمال مصر".

مضيفا: "كان ارتفاع درجة حرارة الارض رغم قصر مدتها كافيا لاشعال اي مادة قابلة للاشتعال، بما فيها شعر الانسان والملابس. ومن المحتمل أن عدد الوفيات بسبب عمود الدخان كان أكثر من عدد من لقوا حتفهم عند سفوح جبال الالب بسبب تأثير الانفجار".

اما التطور غير المتوقع، فهو قيام كاتب آشوري يعمل ضمن القصر الملكي بنينوى بنسخ وثيقة قديمة تصف اصطدام كويكب بالأرض عام 3100 قبل الميلاد ثم نقشها على لوح طيني، وهو ذاته الذي عثر عليه عالم الآثار "هنري لايارد" بين بقايا المكتبة الملكية. وبقيت نقوش اللوح لغزا لمدة 150 سنة، حتى فُكت شيفرتها عام 2008 ليظهر انه تدوين سومري لرصد كويكب طوله كيلومتر واحد اصطدم بمدينة "كوفيلس" فجر 29 حزيران عام 3123 ق.م.

من المعروف أن علماء الفلك السومريين كانوا علماء من الطراز الأول، ما يثبت أن القدماء كانوا يتمتعون بمستوى معرفي متفوق أكثر بكثير من ما ننسبه إليهم. ورغم أنه لا يزال بعض العلماء يشككون بدقة قياسات باحثي جامعة "بريستول"، لكن من الرائع أن يكون هناك توثيق قديم لجسم اتجه نحو الأرض منذ آلاف السنين.


عن موقع 360 on history