الطبيب أبو رغيف يروي لـ {الصباح} تجربته في غزة

العراق 2025/03/04
...

 الموصل: شروق ماهر

في غزة المحاصرة، حيث الألم والدمار يحيطان بكل زاوية، ثمة قصة إنسانية مبهرة ترويها يدٌ بيضاء، حملت الأمل والرحمة وسط المعاناة. بطل هذه القصة الطبيب العراقي محمد طاهر أبو رغيف، الذي لم يتردد في التوجه إلى القطاع المحاصر، رغم معرفته المسبقة بتحديات الظروف الصعبة هناك.

أثناء زيارته الأخيرة إلى مدينة الموصل، بعد أن قضى سبعة أشهر في خدمة المصابين في غزة، كشف الدكتور طاهر في حديثه لمراسلة "الصباح" عن تفاصيل تجربته التي أضاءت أفق الإنسانية. لم يخبر الدكتور طاهر عائلته قبل سفره، حفاظًا على هدوئها وقلبها المرهفة، فهو كان يعلم أن الطريق سيكون شاقًا. لكنه لم يكن يعلم أن حجم المعاناة والدمار الذي سيواجهه في غزة سيكون أكبر مما توقعه.

خلال تلك الأشهر الصعبة، أجرى الدكتور محمد طاهر أكثر من 300 عملية جراحية معقدة، وساهم في علاج أكثر من 1200 مصاب، رغم نقص المعدات والأدوية. فريقه الطبي، الذي عمل معه في ظل ظروف قاسية، تمكن من إجراء أكثر من 1100 عملية جراحية، وتقديم الرعاية الطبية لما يزيد عن 200 ألف شخص. ورغم كل التحديات، كان هناك دائمًا أمل ينبعث من بين أنقاض 

المعاناة.

من بين أبرز إنجازات الدكتور طاهر في غزة كانت نجاحه في إعادة زرع ذراع لطفلة فلسطينية فقدتها جراء القصف في عملية جراحية معقدة، تكللت بالنجاح وأعادت الأمل إلى حياتها. هذا الإنجاز، الذي يعد من أبرز قصص الأمل في زمن الحرب، كان له تأثير عميق في قلب الطفلة وعائلتها، وأعاد لهم الفرح في ظل الظروف الصعبة.

تجربة الدكتور محمد طاهر في غزة كانت أكثر من مجرد رحلة طبية، كانت قصة إنسانية حية، حمل فيها الأمل والتضحية، ونشر في كل مكان روحًا من الصمود والإصرار على الحياة.

قال الدكتور طاهر: "تجربتي في غزة كانت جريئة للغاية. الوضع كان صعبًا بشكل يفوق التصور، لكنني تفاجأت بصمود الناس هناك. كان هذا الصمود أشبه بالروح العراقية التي شاهدتها في بلدي أثناء الحروب السابقة. شعب غزة لم يكن فقط يقاوم الاحتلال، بل كان يقاوم فقدان الأمل، وهذا ما جعلني أرى فيهم صمودًا غير 

عادي."

وعن لحظاته مع الجرحى، قال الطبيب: "بينما كنت أتنقل بين المصابين في المستشفيات، كان العديد منهم يسألونني عن بلدي. وعندما أخبرهم بأنني عراقي، كانت المفاجأة أن الكثير منهم كانوا يقولون لي: 'أنت من الموصل'. تلك الكلمات كان لها تأثير كبير في نفسي، لأنها كانت تعكس تشابه المعاناة بين غزة والموصل، خصوصًا خلال فترة احتلال الإرهاب الداعشي."

علاقة إنسانية أخرى تحققت بين الدكتور طاهر وسكان غزة، عندما شعروا بأنهم يشاركونه نفس الألم، ونفس التضحيات التي مروا بها في سنوات الحروب. تلك اللحظات شكلت جسرًا عاطفيًا بين الشعبين، يعكس تلاحم الإنسانية في أحلك الظروف.

وفي التفاتة أبوية، قدم المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، الشكر إلى الطبيب أبو رغيف على جهوده التي بذلها في غزة.

وقال مكتب المرجع الأعلى: ان "المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني استقبل الطبيب العراقي محمد طاهر كامل أبو رغيف الموسوي واستمع منه إلى شرح عن الظروف الصحية والطبية الصعبة في قطاع غزة المنكوبة". وأضاف ان "السيد السيستاني قدم الشكر للطبيب على جهوده التي بذلها طيلة وجوده هناك".

وفي وقت سابق، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الطبيب محمد طاهر أبو رغيف (سفير الإنسانية). وأكد أهمية العمل الإنساني والأخلاقي الذي أدّاه الطبيب أبو رغيف، تجاه مأساة غزّة، وما شكله من موقف مشرف يفتخر به جميع العراقيين، ويمثل المنطلقات التي يحملها شعبنا تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة.

ووجّه السوداني بمنح الطبيب وحدة سكنية وسط بغداد، وجوازاً دبلوماسياً، تثميناً لما قدمه من عطاء إنساني شجاع، كما وجه بإنشاء المستشفى العراقي في غزّة خدمةً لأبناء شعبنا الفلسطيني الصامد، وتأكيداً على موقف العراق المبدئي والإنساني.

يأتي ذلك في أعقاب قيام مجلس الوزراء بالتصويت على منح الطبيب أبو رغيف شقة سكنية في مجمع الخضراء السكني بالعاصمة بغداد، وجواز سفر دبلوماسيًا، تقديراً للدور الإنساني الذي اضطلع به خلال الحرب في غـزة.

كما استقبل رئيس الجمهورية، الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، الدكتور محمد طاهر أبو رغيف، وثمّن موقفه خلال العدوان الأخير على غزة، والذي جسد روح التضامن الإنساني مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وعبر عن القيم الأصيلة التي يتحلى بها أبناء العراق في الوقوف إلى جانب أشقائه.

وفي حديثه لـ(الصباح)، عبر الدكتور أبو رغيف عن مدى تأثره بتجربة علاج المصابين في غزة، ووصف مشاعره بالتجربة التي تمثلت في التضحية والشجاعة.

ويقول أبو رغيف: "كان قراري تطوعياً بالكامل، ولم يكن هناك أي إكراه. عاهدت نفسي أنني سأذهب إلى غزة لمساعدة هذا الشعب الجريح. كنت أسرع في اتخاذ القرار لأنني أردت أن أقدم ما تعلمته من إنسانية في مهنتي الطبية لهذا البلد الذي يواجه معاناة شديدة".

وأضاف " لقد عبروا عن حبهم وامتنانهم لي بشكل كبير. كانوا يقولون لي: أحببتنا أكثر مما كنا نحب الشعب العراقي في السابق. كانت هذه الكلمات تعني لي الكثير، لأن ذلك يعكس مدى التضامن العربي والإنساني".

وتابع " غزة والعراق كانا ومازالا يتشاركان الألم والمعاناة، لكنهما أيضًا يتشاركان القوة والإرادة. فالشعب العراقي والحكومة لطالما وقفا إلى جانب فلسطين في كل محنة، وهذا ليس شيئًا جديدًا، بل هو جزء لا يتجزأ من تاريخنا النضالي الطويل".

من خلال تجربته الإنسانية في غزة، أكد الدكتور محمد طاهر أن "العمل الإنساني لا يعرف حدودًا أو مسافات، وأن التضامن بين الشعوب يجب أن يكون بلا قيود". هذه الكلمات كانت بمثابة شهادة على الروح المشتركة التي تربط الشعوب العربية ببعضها، حيث يظل الدعم الإنساني والخيري جزءًا أساسيًا من النضال المشترك ضد الظلم والمعاناة، مهما اختلفت الأماكن والظروف.

في تعقيب له على قصة الطبيب أبو رغيف، أكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان الدكتور فاضل الغراوي أن الدور الإنساني الكبير الذي قدمه الجراح العراقي يستدعي ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2025، وذلك تكريمًا لجهوده الاستثنائية في تقديم الرعاية الطبية للضحايا المدنيين في قطاع 

غزة. 

وأضاف الغراوي أن الدكتور محمد ابو رغيف  قدّم خدمات جراحية منقذة للحياة وسط ظروف طبية صعبة ونقص حاد في الإمكانيات في ظل قصف متواصل .

واضاف ان الدكتور محمد طاهر ابو رغيف يعد  من الكفاءات الطبية البارزة، حيث تخصّص في جراحة الصدمات والأطراف العلوية والأعصاب الطرفية بعد تخرجه من كلية الطب في بريطانيا. والتحق بفريق طبي متطوع مع مؤسسة "فجر سينتيفيك" وسافر إلى غزة للمساهمة في إنقاذ المصابين وتقديم الدعم الطبي العاجل.

الغراوي طالب الحكومة ومن خلال القنوات الدبلوماسية بإكمال ملف ترشيح الدكتور محمد طاهر أبو رغيف لجائزة نوبل للسلام انعكاسًا لدوره الإنساني الريادي، وجهوده الدؤوبة في إنقاذ الأرواح والتخفيف من معاناة المدنيين في غزة، مما يجعله نموذجاً يحتذى به في العمل الطبي والإنساني على مستوى العالم..