حاملة طائرات مسيَّرة.. سلاحٌ إيرانيٌّ جديدٌ في المياه الاستراتيجيَّة

بانوراما 2025/03/06
...

بيتر سوكيو

 أنيس الصفار


قبل بضعة أسابيع حقق "فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" نقلة مهمة رفع من خلالها مستوى قدراته البحرية، عندما استلم أول حاملة للطائرات بلا طيار والطائرات المروحية ذات مدرج إقلاع بمواصفات تقليدية. فقد أدخل فيلق الحرس الثوري الى الخدمة؛ رسمياً؛ حاملة الطائرات "شهيد بهمن باقري" (C110-4) خلال احتفال أقيم عند ميناء مدينة بندر عباس الساحلية.

هذه الحاملة تعد وثبة الى الأمام مثيرة للاهتمام من جانب الجمهورية الاسلامية رغم كونها أبعد من حيث القدرات عن أن تداني حاملات الطائرات التي تمتلكها بحرية الولايات المتحدة الأميركية، حتى تلك التي تم بناؤها قبل الحرب العالمية الثانية.

ويبدو أن الناقلة سميت باسم "شهيد بهمن باقري" تيمناً بأحد قادة الحرس الثوري كان قد لقي مصرعه أثناء حرب الثمانينيات، وهي سفينة لم تبنَ أساساً لأن تكون حاملة طائرات مصممة لهذا الغرض، وإنما هي سفينة لنقل الحاويات تم تحويرها. تأتي هذه الحاملة بعد أن تم إطلاق سفينة نقل اسمها "شهيد مهدوي" (110-3) كانت هي الأخرى سفينة شحن تم تحويرها الى ناقلة.

حاملة الطائرات الجديدة هذه، ذات السطح المنبسط، مجهزة بمدرج إقلاع جانب منه معلق في الهواء من الجانب الأيسر للسفينة مع منحدر وثوب لمساعدة الطائرات ثابتة الجناح عند الإقلاع، حسب ما ذكره تقرير لشركة جينز الدولية للتحليلات العسكرية.


حاملة طائرات محليَّة 

ينبغي الإشارة هنا الى ان طهران قد حذت من حيث الأساس حذو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان خلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أحيلت سفن أخرى من مهامها الأصلية الى وظيفة حاملات طائرات. فحاملة الطائرات "يو أس أس لانغلي"(CV-1/AV-3)  تم تحويلها الى حاملة بحلول العام 1920 بعد أن كانت  تعرف باسم ناقلة الفحم "يو أس أس جوبيتر" (سفينة نقل الفحم رقم 3 التابعة للبحرية)، أما حاملات الطائرات الحقيقية المصممة خصيصاً لهذا الغرض فلم تظهر على الساحة إلا مع وصول الحاملة هرمز التابعة للبحرية الملكية البريطانية والحاملة هوشو التابعة للبحرية الامبراطورية اليابانية.

وعلى سبيل المقارنة مع ذلك أطلقت دول أخرى مثل الهند والصين خلال فترة الحرب الباردة برامج حاملات طائرات خاصة بها عن طريق شراء حاملات أخرجت من الخدمة تملكها دول أخرى. ولم تبدأ بكين ونيودلهي ببناء حاملات طائرات خاصة بهما محلياً إلا خلال سنوات العقد الماضي، رغم ذلك بقيت قدرات تلك السفن الحربية متخلفة عن سفن البحرية الأميركية العاملة بالطاقة النووية من فئتي "نمتز" و"جيرالد آر فورد".

بيد ان الجانب الأهم من ذلك هو ان طهران لم تنفق مليارات الدولارات، ومع ذلك يبقى بوسعها استخدام السفينة الجديدة لإطلاق أنظمة الطائرات المسيّرة التي تنتجها إيران محلياً. فالطائرات المسيّرة والأنظمة الأخرى غير المأهولة عبارة عن ميادين تحرز فيها هذه الدولة الشرق أوسطية تقدماً لا يستهان به وقد يكون مثيراً للقلق.


قلق واشنطن وتل أبيب

مجرد حقيقة امتلاك الحرس الثوري الإيراني سفناً حربية من اي حجم ذات قدرة على إطلاق الطائرات يتطلب أخذها بعين القلق الجدي لدى كل من تل أبيب وواشنطن، نظراً لأن ذلك سيمكّن طهران من إيصال صليل سيوفها الى المنطقة كلها وحتى خارجها. كذلك فإن الأمر نصر دعائي كبير للجمهورية الإسلامية وحلفائها وانصارها عبر المنطقة. 

بدأت هذه الدولة الشرق أوسطية خطتها لتحقيق لاكتفاء الذاتي من الجانب العسكري منذ اكثر من ثلاثة عقود، فعملت بدأب على انتاج غواصاتها وطائراتها المقاتلة النفاثة ودباباتها وصواريخها وطائراتها المسيرة محلياً.

وخلال الاحتفال الذي جرى بذكرى العيد الوطني الإيراني مطلع شباط الماضي نقل تقرير لسلاح البحرية عن العميد البحري علي رضا تنغسيري قوله: "إن المدى العملياتي البالغ 22 ألف ميل بحري يجعل حاملة الطائرات هذه قادرة على تنفيذ مهمات تمتد لمدة عام كامل وسط المياه البعيدة من دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود. كما إن اضافة هذه السفينة الى الاسطول البحري التابع لفيلق حرس الثورة يؤشر خطوة مهمة على طريق تعزيز قدرات الدفاع والردع الإيرانية بالنسبة للمياه البعيدة، الى جانب المساهمة بحماية المصالح الوطنية للأمة." ليس من الواضح بعد إن كانت قابليات هذه الحاملة مبالغ بها، لكن "براندون جي ويشرت" كتب تقريرا نشرته مجلة "ذي ناشنال إنتريست" خلال الشهر الماضي مبيناً أن طهران قد حولت سفينة حاويات الى حاملة للطائرات المسيرة. كما عززت قدرتها على فرض قوتها البحرية بدرجة كبيرة وتكاليف بسيطة. بوسع إيران اليوم أن ترسل حاملة طائراتها الى مسافات بعيدة نسبياً عن سواحلها، الأمر الذي يمكنها من تعطيل الملاحة التجارية المارة عبر منطقة الخليج وبحر العرب ومضيق هرمز ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وربما حتى أبعد من ذلك؛ وصولاً الى منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كل ذلك ينبغي النظر اليه على انه خطوة أولى ضمن سلسلة خطوات تمضي بها إيران الى الأمام، فلا هي بالخطوة الوحيدة ولن تكون الأخيرة نحو هذا الاتجاه.

ليست حاملة بالبعد الكامل

 من جهة أخرى، لا يمكن اعتبار "شهيد بهمن باقري" حاملة طائرات فعلية متكاملة القدرات. إذ أن فيلق الحرس الثوري الإسلامي لا يمتلك المقوّمات الأخرى لبناء تشكيل مقارب لمجموعة السفن المرافقة لحاملة الطائرات، أو ما يطلق عليه إسم "المجموعة الضاربة".

يمضي ويشرت مؤكداً: "هناك بالطبع جوانب نقص ومآخذ في هذه السفينة المحوّرة التي أعيد تكييفها على عجل. فهي على الرغم من كونها زهيدة الثمن الى درجة لا تصدق وتمنح القوات المسلحة الإيرانية دفعة كبيرة لقدراتها، تبقى سفينة غير مصممة أصلاً لأن تكون سفينة حربية. ولذلك فإنها تعاني من قصور بنيوي ومحدودية على مستوى القدرات، وهذا يصدق بشكل خاص على ضوء ما تعانيه إيران من نقص جدّي تعانيه وسائل الحماية المرافقة لحاملة طائراتها المسيّرة هذه." 

كذلك يمكن اعتبار السرب الجوي المرافق للحاملة "شهيد بهمن باقري" محدوداً، عدا عن افتقار الحاملة الى مدمرات وغواصات وسفن أخرى معها ذات قدرة على رصد الأهداف المعادية.  

يضيف ويشرت: "إن هذه السفينة يسهل نسبياً رصدها وتتبعها من قبل معظم وكالات الاستخبارات الحديثة، ومن هنا يبقى التهديد المتوقع منها محدوداً. ربما كانت الحاملة "شهيد باقري" قادرة على التسبب بأكبر قدر من الضرر لمناطق المياه المحيطة بالشرق الأوسط، لكن إذا ما فكرت طهران باستخدام هذه السفينة لعرض قوتها العسكرية عبر مسافات بعيدة، مثل المحيط الأطلسي، فسوف تجد ان المزايا التي استمدتها قوتها البحرية من وجود الحاملة قد حيّدت تماماً."  

مع ذلك يبقى التنبؤ بالمستقبل صعباً. فخلال الحرب العالمية الثانية؛ لم تأخذ سوى قلة قليلة من المراقبين الغربيين التهديد الذي كانت تمثله حاملة الطائرات اليابانية "هوشو" مأخذ الجد، لكن يوم 7 كانون الأول 1941 (وهو تاريخ الهجوم المباغت الذي شنته اليابان على ميناء بيرل هاربر الأميركي وأدى الى جرّ الولايات المتحدة لدخول الحرب العالمية الثانية) غيّر النظرة الى حاملات الطائرات الى الأبد. ويمكن تصور الأمر بعبارة أخرى مفادها أن الولايات المتحدة ستأخذ جانب الحذر من ضغط زر الاسترخاء، بل قد يكون عليها اعتبار الأمر صيحة تحذير من تهديد جدي تماماً سيستمر بالتنامي، لأن المصدر الأكبر للقلق لا ينحصر بالحاملة "شهيد باقري" وحدها بل بما يمكن أن يأتي بعدها ايضاً.


عن مجلة "ذي ناشنال إنتريست"