القمة العربية وما بعدها

قضايا عربية ودولية 2025/03/06
...

علي حسن الفواز



ما يجعل مؤتمر القمة العربية استثنائياً هو حجم التحديات، وطبيعة الأخطار التي تواجه صياغة موقف عربي فاعل، وضاغط في سياق متغيرات الواقع العربي. فما جرى بعد أحداث غزة ولبنان وسوريا وضع الجميع أمام رهانات معقدة، من الصعب الوقوف ببرودة، أو بتماهل وتأجيلٍ إزاءها، لأن مفارقات السياسة الدولية وضعت الشرق الأوسط أمام لحظات تاريخية ساخنة وسريعة، تتطلب اتخاذ إجراءات حقيقية، تخصُّ التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، مثلما تخصُّ واقعاً يستدعي اتخاذ موقف عربي واضح إزاء ما يجري في غزة، وفي الجنوب السوري واللبناني، لما في ذلك من أخطار تواجه الأمن القومي العربي، وتحدّ من القدرة على تثبيت وقف إطلاق النار، ومواجهة "الغلو" الصهيوني وتهديداته في إعادة شنِّ العدوان، وعلى أيّ مناقشةٍ فعالة لمشروع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

البحث عن حلول حقيقية هو الخيار الحقيقي للمواجهة، والاتفاق على مواقف إجرائية، تتجاوز الخلافات العربية العربية، وتعطي للدبلوماسية العربية جرعة من القوة، عبر دعوة للعمل على وضع العالم أمام حقائق الاستهتار الصهيوني، في عدوانه وتهديداته المستمرة، وفي منع أيّ توجه حقيقي نحو إعمار غزة، وبدعم دولي واسع، فبقطع النظر عما سيحدث، وما سيتفق عليه الرؤساء والملوك العرب، فإن الحاجة إلى الواقعية السياسية أصبحت أمراً لازماً وقارّاً، ودافعاً إلى فكِّ عقدة " العقل العربي المهزوم" وعلى نحوٍ يجعل تلك الواقعية خياراً لفكِّ اشتباك المواقف والأفكار والسياسات، فما تعوّدناه مع تاريخ المؤتمرات العربية يحتاج إلى مراجعة وإلى نقد، وإلى صياغات فاعلة للأسئلة العربية، بدءاً من سؤال الأمن الثقافي والهويّاتي، وليس انتهاء بسؤال علاقة الأمة بالتاريخ، والحداثة والتنوير وبتحديات المستقبل، فما يقوم به الكيان الصهيوني من سياسات احتلالية واستيطانية، ومن تهديد للجغرافيا العربية يكشف عن أهداف خطيرة، تعمل على تقويض السلم الأهلي الإقليمي من جانب، وإلى تحويل التنوُّع الثقافي في المنطقة إلى جماعات متناحرة، وإلى مسوخٍ ثقافية تتكرس فيها الصراعات الداخلية الطائفية والقومية من جانب آخر.

الحاجة إلى إعادة توصيف مؤتمرات القمة هو الرهان على جدّة المواقف وفاعليتها النقدية، وعلى التنسيق نحو أهداف مشتركة تخصُّ ما هو حقيقي في الأمن القومي العربي، والذي يخصّ حماية هذا الأمن، وإعادة النظر بكثير من القرارات المؤجلة، وربما المنسية، وباتجاه خلق بيئات سياسية آمنة، بعيدة عن صناعة الأزمات والحروب الصغيرة، وعلى نحو يسمح للدبلوماسية العربية بأن تكون فاعلة في إعادة صياغة الموقف الدولي من قضايانا المصيرية، ومن علاقة أمننا القومي بالأمن الدولي.