الفريضة التي اختصَّنا اللَّه بها

منصة 2025/03/09
...

 نجم الشيخ داغر


قد يظن الكثير من المسلمين أن المراد من قوله تعإلى في كتابه الكريم {يأيها الذين آمنوا كتب عليكمُ الصيام كما كتب على الذين من قبلكمْ لعلكم تتقون } البقرة 183، إن الله تبارك وتعإلى قد أوجب الصيام على جميع الأمم السابقة كما أوجبه على الأمة الخاتمة، بيد أن هذا القول فيه آراء .

يقول ابن جرير الطبري في تفسيره، (كأنه قيل: كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم: أن تصوموا أياما معدودات. ثم اختلف أهل التأويل فيما عَنى الله جل وعز بقوله :"أيامًا معدودات". فقال بعضهم :"الأيام المعدودات"، صومُ ثلاثة أيام من كل شهر.

الغريب إنك حين تبحث في الكتب المقدسة مثل التوراة والانجيل فلن تجد آية واضحة تتحدث عن الصيام كما في شكله الحالي، وما ورد في التوراة هو الصيام الأربعيني :"و كان ـ موسى عليه السلام ـ هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة لم يأكل خبزا، ولم يشرب ماء"(الخروج 34:28).

وقد اعتبر اليهود ما ورد عن صيام موسى ـ عليه السلام ـ أربعين يوما، تشريعا يخصه وحده دون غيره من أتباعه. (موسوعة الكتاب المقدس، مجموعة من الباحثين، ص33، ط1993م، الحياة، لبنان).

وفيما يخص الأخوة المسيحيين فإن الأمر كذلك "يمكن الجزم أن الصيام عند النصارى لم يكن على مثال سابق بشَرْع سماوي موحى به، بل هو تشريع كَنَسي قَسَاوِسي أبدعه الرهبان حسب مقتضيات الزمان والمكان. فالصوم عند النصارى هو عبادة اختيارية يُلْجَأ إليه عند الحاجة أو لتكفير الذنوب وذلك بصيام يوم (الصوم الكبير) الذي يسبق يوم عيد الفصح". (عبد الرزاق رحيم صلال، العبادات في الأديان السماوية، ص182).

وحين مراجعة ما ورد عن الأئمة المعصومين عليهم السلام، تجد هذا المعنى واضحا جليا في أحاديثهم، عادين فريضة الصيام مما أتحف الله بها نبيه وأمته دون سائر الأمم، لكونها كانت مخصوصة فقط للأنبياء عليهم السلام وهذا شرف لا يدانيه شرف.

فعن الإمام الصادق (عليه السلام) : "إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا، فقلت له: فقول الله عزَّ وجَلَّ: (يا أيها الذين آمنوا كتب...) ؟! قال: إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضل الله به هذه الأمة، وجعل صيامه فرضا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أمته ".(انظر) وسائل الشيعة: 7 / 268.

ويعضد الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذا المعنى بقوله في دعائه عند وداع شهر رمضان: "ثم آثرتنا به على ساير الأمم، واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل، فصمنا بأمرك نهاره، وقمنا بعونك ليله ".

من هنا يتضح أن المقصود بقوله تعإلى ﴿كما كتب على الذين من قبلكم﴾ هم الأنبياء عليهم السلام، وأن الله لشدة عنايته بهذه الأمة التي أرسل اليها نبيه الموصوف بقوله تعإلى ﴿وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ اختصهم بصيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن وجعل ليلة من لياليه خير من ألف شهر، لذا حقيق على المسلمين تعظيمه والتبرك بجميع لياليه وأيامه، والعمل على التقرب إلى الله في كل لحظة من لحظاته .