علي حسن الفواز
هل ثمة ما يهدّد التحالف الغربي؟ وهل ستقترح الولايات المتحدة واقعاً سياسياً جديداً في أوروبا؟ وهل سيُقصي هذا الواقع حلف الناتو من الخارطة العسكرية؟
أسئلة افتراضية، لكنها ليست بعيدة عمّا يجري في الخفاء، وفي العلن، لأن ما تبدى في الاجتماع المثير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والأوكراني زيلنسكي يضع هذه الأسئلة في سياق الإثارة والشك، وعلى النحو الذي يكشف عن منظور أميركي مغاير، للمصالح والأسواق والإنفاق والحرب وغيرها من القضايا الإشكالية، وعن مواقف تخص نظرتها لأطر التحالفات والسياسات الاستراتيجية، وهو ما يجعل دول الاتحاد الأوروبي أكثر قلقاً ورعباً من هذه المتغيرات السياسية، ومن تعاطيها مع الواقع الأمني المعقد، ومع تحديد وتحجيم خياراتها، على مستوى استمرار دعم جبهة أوكرانيا، أو على مستوى إبقاء أوروبا موحدة عبر حلفها العسكري العتيد مع الولايات المتحدة.
سقوط الخيار العسكري في أوكرانيا يعني النهاية العملياتية لتماسك “حلف الناتو” ولوظائفه الدفاعية واللوجستية في أوروبا وخارجها، فهذا الحلف هو صناعة أميركية خالصة، تأسس عام 1949 بعد أربع سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، ولغرض مواجهة المدّ “السوفيتي” وتشكيل ترسانة عسكرية أمام “الجيش الأحمر” لكنه ظل خاضعاً طوال سنواته وحروبه الصغيرة إلى موجهات العسكرة الأميركية، وإلى دعمها في المال وفي التسليح وفي إنشاء القواعد العسكرية.
ذهاب الرئيس ترامب إلى تعطيل فكرة الحرب في أوكرانيا، ومطالبة أعضاء الحلف الآخرين بزيادة الإنفاق على حلفهم، يضع الأوروبيين أمام مفارقة كبيرة، تتوزع بين الحفاظ على هيكلية الحلف وضغط الإنفاق المالي، والأفق الجديد للعلاقات الأميركية الروسية، والتي يمكن أن تجعل من الرئيس الروسي بوتين قريباً من الولايات المتحدة، ومن توجهاتها في معالجة كثيرٍ من الملفات الصعبة، مثل الملف النووي الإيراني، وأزمة الشرق الأوسط، ومنها الملف الفلسطيني والملف السوري.
ما صنعته الحرب الأوكرانية الروسية أعطى مفهوم “الأمن الاستراتيجي” توصيفاً معقداً، جعل من الرئيس السابق جو بايدن ودول الغرب أكثر اندفاعاً لاصطناع صورة أوروبا القوية، لكنّ فشل الدعم العسكري والأمني في تحقيق نتائج ميدانية، جعل من الرئيس الأميركي “الجديد” يبحث عن “واقعية سياسية جديدة” تقوم على فكرة دفع أوكرانيا إلى “السلام العقلاني” وإلى فتح حوار مع موسكو، ورفع اليد بغضب أمام الأوروبيين لوقف لعبة الصراع المفتوح والدعم المفتوح، والبحث عن واقع جديد تتعاظم فيه المصالح الاقتصادية والسياسات الناجعة، مقابل تعطيل فكرة الحروب العبثية الخسرانة، ومعالجة ملف المؤسسات والكيانات القديمة التي فقدت جدواها، وأضحت تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد والسياسة، ومنها ملف “حلف الناتو” الذي باتت ضرورته مهددة أمام سياسات “ما بعد الحداثة” القائمة على طرد المعسكر، مقابل استثمار منجمٍ
لليورانيوم، أو بئرٍ للنفط.