التفكير بطريقة نووية

قضايا عربية ودولية 2025/03/11
...

علي حسن الفواز




يبدو أن التفكير نوويا أضحى خيارا أوروبيا مثيرا للجدل، فوسط أجواء الحرب الروسية الأوكرانية، تتعدد احتمالات الخوف من انتقال الحرب إلى أوروبا، وإلى إدخال السلاح النووي في الخدمة العامة، وباتجاهٍ يضع الدول الجديدة في الاتحاد الأوروبي أمام تحديات قد لا يتحملها واقعها الاقتصادي والسياسي.

خيار التفكير بالحماية النووية حمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على البدء بمشاورات ونقاشات تخص «تعزيز برامج الردع النووي الأوروبي» ليكون جاهزا لمواجهة التهديدات الروسية، وهو ما دفع فريدريش ميرتس المرشح الساخن للاستشارية الألمانية إلى مشاطرة ماكرون الخوف من لعبة الحرب المقبلة، ومن نوايا روسيا في تحويل حربها إلى فضاء مفتوح، وإلى تغيير صادم في قواعد الاشتباك المعروفة.

الخلاف الأميركي الأوروبي ليس بعيدا عن هذه التوجهات، ولا عن النحو الذي يجعل من تلك المشاورات تمثيلا لفكرة الاستقلال الأوروبي، في قضايا الدفاع الجيوستراتيجي، وفي حسابات المصالح، ومواجهة تحديات الأمن والهجرة والتضخم، فضلا عن هواجس تحول ما يجري في شرق أوروبا إلى حربٍ تدخل مرحلة الاستنزاف الاقتصادي والعسكري.

حديث ماكرون عن مناقشة ستراتيجية الردع النووي، تأتي في سياق إعادة توصيف القوة الأوربية، وفي جعلها “مفتوحة وشاملة، وتتضمن جوانب حساسة وسرية” بحسب ما قاله، والتي يمكن أن تكون بديلا عن سياسات “حلف الناتو” في حماية أوروبا، لا سيما بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول مستقبل الحلف، وصولا إلى التلميح بالانسحاب منه، وهو ما يُلقي كثيرا من الشكوك حول الالتزام بمسار تلك السياسات، والاتفاق على ستراتيجياتها، وموافقة دول أوروبا الأخرى على الدخول في “التفكير النووي” وفي مواجهة روسيا وترسانتها الضخمة.

قد يبدو البحث عن تحالف نووي أوروبي غير واقعي، وغير إنساني، لأنه سيدخل العالم في هستيريا التسلح، وفي جعله أمام أخطار أكثر رعبا، وصولا إلى التورط في طرح أفكار أكثر تطرفا، كالتي صرح بها بوريس جونسن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بدعوته إلى “منح أوكرانيا سلاحا نوويا لمواجهة التهديدات الروسية”، وهو ما يعكس تغيّرا صادما في التفكير الأوروبي، لا سيما مع صعود أحزاب اليمين، فضلا عن الخشية من أن تمتد تأثيرات ذلك إلى اقتصاديات الدول، وإلى أمنها البيئي والثقافي، والتي ستسهم في خلق أزمات داخلية، قد تستثمرها أحزاب اليسار والبيئة والجماعات المدنية والحقوقية في أي انتخابات جديدة، فضلا عن تحويل شوارع المدن الأوروبية إلى ساحات مفتوحة للتظاهرات والاحتجاجات وللصراعات الأهلية.