سعاد البياتي
الصوم من أقدم العبادات التي عرفتْها البشريَّة، إذ يتجلّى في مختلف الأديان كوسيلةٍ للتقرّب إلى الله والتطهّر الروحيِّ وضبط النفس. رغم اختلاف طقوسه وأحكامه، إلّا أنَّ جوهره يبقى مشتركاً بين الأديان السماويَّة والوضعيَّة، ما يعكس قيماً إنسانيَّةً عابرةً للثقافات.
في الإسلام، يُعدّ الصيام فريضةً أساسيَّة، إذ يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من الفجر حتى المغرب طوال شهر رمضان، بهدف تحقيق التقوى وتعزيز الشعور بالفقراء. كما توجد صياماتٌ مستحبَّة، مثل صيام يومي الاثنين والخميس وصيام يوم عرفة. أمّا في المسيحيَّة فيتنوَّع الصوم بين الطوائف، إذ يمتنع بعض المسيحيين عن اللحوم ومنتجات الألبان خلال مُددٍ معيَّنة، أبرزها الصوم الكبير الذي يستمرّ (40) يوماً استعداداً لعيد القيامة. في اليهوديَّة، يُمارَس الصومُ في أيَّامٍ محدَّدة، أبرزها يوم الغفران، إذ يصوم اليهود لمدَّة (25) ساعةً من الغروب إلى الغروب كفعلٍ تكفيريٍّ وتعبيرٍ عن التوبة. أما الهندوسيَّة فيأخذ الصومُ أشكالاً مختلفة، إذ يمتنع البعض عن الطعام تماماً، بينما يكتفي آخرون بتناول الفواكه أو الحليب فقط، ويرتبط بأيّامٍ مقدَّسةٍ مثل "إيكاداشي". في البوذيَّة، يُمارِس الرهبان الصوم كوسيلةٍ لضبط النفس والتأمّل، إذ يمتنعون عن الطعام بعد منتصف النهار وحتى الفجر.
ورغم أنَّ الزرادشتيَّة لا تفرض الصوم بشكلٍ صارمٍ، إلّا أنَّ بعض أتباعها يمتنعون عن تناول اللحوم أو الأطعمة الدهنيَّة في مناسباتٍ دينيَّةٍ معيَّنةٍ كنوعٍ من التطهير الروحيِّ. كما تُمارس بعض الديانات الأفريقيَّة التقليديَّة الصوم خلال طقوسٍ تتعلّق بمواسم الحصاد أو تكريم الأرواح والأسلاف.
ورغم هذا التنوّع في الطقوس والممارسات، يظلّ الصيام تجربةً روحيَّةً وإنسانيَّةً تتجاوز الحدود الدينيَّة، إذ يُعزّز الإرادة ويُعمِّق الشعور بالآخرين، ما يجعله من أبرز العبادات التي تعكس القيم المشتركة بين مختلف الأديان والثقافات.