المقهى (المتحف) يؤرشف لذاكرة المدينة

ثقافة شعبية 2025/03/13
...

 السماوة: نافع الفرطوسي


منذ العام 1953 أسس العم أبو سعد (سامي نافع السماوي) وهو شقيق الشاعر (ناظم السماوي) مقهى (التراث) بمدينة السماوة، في زقاق يسمى (عجد الحدادين)، وبعد رحلة اغترابٍ إلى الكويت، عاد ليفتتح مقهاه مجدداً في السبعينيات بعد استقراره نهائياً في مدينته الأثيرة على قلبه (السماوة).

ربما لا يختلف هذا المقهى عن غيره، رغم صغر مساحته، لكن ما يميزه أنه أصبح ذاكرة صورية تؤرشف لأبرز الأحداث التي مرّت بها هذه المدينة الجنوبية الوادعة، وتحتل العديد من الصور التاريخية والتراثية، جدران المقهى لشخصيات وأحداث مرت على المدينة، مثل أول جوايش وقائممقام وأول كتاتيب السماوة، وكذلك ذكرى زيارة الملك فيصل الثاني وعبور سيارته لجسر القشلة الخشبي العائم، فضلاً عن صور عديدة للزعيم عبد الكريم قاسم وغيرها، ومع نكهة شاي أبي سعد المضمّخة بالهيل، يشعر المرتاد لمقهى التراث أنه عالق وراسخ لذكريات لها طعم خاص، تعود به إلى عقود زمنية وحقب تاريخية مضت. يقول أبو سعد إنه كان يجمع كل الصور المتاحة، وقد سافر يوماً إلى الموصل من أجل ملاحقة صورة فوتوغرافية عتيقة، وبعد جمعها رتبها على جدران مقهاه الصغير، ولم يكتف بالصور بل جمع كل الآلات كالفوانيس وعلب السجائر (الجمهوري) والخناجر والسيوف والبنادق القديمة والعملات والطوابع للعهود المختلفة، ليضمها لمجموعته في المقهى -المتحف-، وبمرور الوقت تحول مقهى التراث إلى متحفٍ مصغر. السيناريست والصحافي يوسف جابر، يقول "رغم محدودية مساحة المقهى، لكنه يعجّ بذاكرةٍ مشحونةٍ بكثير من التفاصيل على مستوى الأشخاص والأحداث وصروح البناء والمتغيرات الهندسية والعمرانية وحركة النمو الحضاري لمدينة السماوة"، ويضيف، أن "مقهى التراث، يعد بمثابة حلقة وصل الحاضر بالماضي، فالشوارع بهيئتها السابقة وحلتها اليوم، تمنح المتلقي قدرة استرجاع الزمن وعقد المقارنات غير العادلة". وكأن ارتشاف (استكانة) الشاي بهذا المقهى، هو حركة لإيقاف الزمن والدخول في جولةٍ مجانية من خلاله.