سعد صاحب
الشعر والإنسانية يلتقيان في أكثر من جانب، والشاعر من دون مشاعر حقيقية صادقة، ومن دون عواطف جياشة إزاء الجمال، وإزاء الكون والوطن والنساء والمرايا والندى والشموع، لا يكتب أشعاراً جميلة تدغدغ أحاسيس الناس، وتكشف فطرتهم الأولى، وما تخفي من البراءة والنقاء والأصالة، وتدخل إلى زوايا قلوبهم الجريحة، الملبدة بالهموم والأحزان والخبرات والتجارب. والقصائد النابعة من ضمير نقي، تبقى عالقة بذاكرة الأجيال إلى وقت طويل، وأحياناً تكون لهم عوناً على مداواة الجراح، وحلاً مؤقتاً لمشكلات الوجود العسيرة، يرددونها في الانكسار والقوة، وفي الشيخوخة والشباب، وفي المرض والعافية، وفي الاخضرار واليباس، وفي مراسم الموت أو عندما تفتح إليهم أبوابها الحياة. (وينك انته اهناه اريدك ليله واحده / تبات يمي وتستمع / وانزع الخوف بيمينك / واطبع عيوني على عيونك طبع / عام مر وعام جاي / ولسه ناسك وبصلاتك / وكلك احبيبي ورع / لا تفرع برتقالك ولا غبش فجرك ليالي / وباس خدين الطلع ). لا شيء يشابه الحب بانكساراته وتجلياته وايقاعاته، المتناغمة مع الروح، وطبولها المدوية عالياً في عالم جائر، لا يرحم العشاق والصبايا في آن واحد، ولا يرق قلبه على دموع تسيل فوق وجنة شاحبة، عالم موغل في الغدر والكذب والجور والخديعة، موغل في الهجر والجفاء والبعد والأنانية والخصام، موغل بالجحود والإثم والعدوانية والإنكار والقسوة والغرور. (غنوا ورگصوا ليالي / ويا غناهم يلچم بروحي واغلس واستمع / طبگوا الظلمه اعلى جفني / وخلوا بكل عين بضعين وبضع / غربوك وغربوني / وحسبوا حتى بحلم ما نجتمع / ومن زوايا الخوف ظل مدك يجيني / وانه امتد ليك نهران ونبع).
مرآة
عنوان مجموعة الشاعر حمود حسين گعيد (مرايات ونده) والمرآة مفردة زئبقية متحركة، لا يمكن القبض عليها مطلقاً، ولا يتم الاتفاق على معنى واحد لها بين الشعراء، فهناك من يراها تحمل مضموناً سياسياً مبطناً، متعدد الاتجاهات والأبعاد وهو عرضة للخطأ والصواب، وهناك من يجدها تعكس أفكاراً نفسية معقدة، وهناك من يمنحها رؤية جمالية متكاملة، وهناك من يبصر فيها الكثير من الأشياء المبهمة، وإنها في الواقع : خلطة سحرية من الضوء والانعكاس والروحانية والريبة والغزل والتأمل والغش والحقيقة. (واصيرلك سواد العين / شذرة وبالتراچي اتبات / ايا صب الحليب الخام / ما تحتاج اضيفلك شكر كلك حلاة / انه الغرگان وبوصفك / ما انجه ابد هيهات / شوصفك يا ورد يا هيل / وانته من الجدم للهام / تتفصل سمه امرايات). ومع كل هذا التأويل المتناقض، يبقى ارتباطها وثيقاً بالأنثى وهواجسها الداخلية بشكل خاص، فهي لا تفارقها في صباها ولا عند المشيب، سواء كانت برفقتها، أو معلقة على جدار غرفة مجاورة، أو تنام برقة ودلال بحقيبتها النسائية الصغيرة، والشاعر الفطن يخلق صورته الشعرية منها بأسلوب جمالي، وذلك بتذويب العشق بالسياسة والمعرفة والهوية والدين والأسطورة. (وشبكنچ شبگ للروح / شبگات الطفل والصدر الامايه / بعد گليلي وشتردين / حتى وياچ واتراضه يدنيايه / غزلتيني غزل والنوب / هم انه صفيت امگصر بهايه / وعلى العاده تلچمين الجرح كل يوم / واضحكلچ مثل ضحكة امعرسه بوجه المرايه).