الرسوم الجمركيَّة.. تصعيدٌ اقتصاديٌّ بين ترامب والدول الكبرى

ربيكا شنايد
ترجمة: أنيس الصفار
نفذ الرئيس "دونالد ترامب" ما وعد به عندما كان يخوض حملته الانتخابية بفرض تعرفات جمركية على الواردات من اكبر ثلاث دول مصدّرة الى الولايات المتحدة.. هي كندا والصين والمكسيك. فقد وقع الرئيس ترامب أوامر فرض بموجبها تعرفات جمركية نسبتها تصل إلى 25 بالمئة على المواد المستوردة من المكسيك وكندا (مع ان واردات الطاقة الكندية تواجه تعرفات أوطأ نسبتها عشرة بالمئة) وكذلك تعرفات جمركية بالنسبة المئوية ذاتها على السلع المستوردة من الصين. وقع ترامب ايضاً أمراً تنفيذياً بعنوان: "فرض الرسوم تصدياً لتدفق المخدرات غير المشروعة عبر الحدود الشمالية للولايات المتحدة".
وكان ترامب قد ناقش تلك التعرفات عبر سلسلة من المنشورات من خلال منصته للتواصل الاجتماعي: "تروث سوشيال". وأعلن أحد التحديثات الأوامر الرسمية الخاصة بالتعرفات الجمركية، وهو ينص على ان القرار قد اتخذ "لحماية الأميركيين بالنظر لجديّة التهديد الخطير الذي يمثله الوافدون الغرباء غير الشرعيين والمخدرات القاتلة التي تفتك بالمواطنين الأميركيين، ومن ضمنها مادة الفنتانيل."
وظهر منشور آخر عرض ترامب خلاله مقطع فيديو يظهره عقيب الحملة الانتخابية وهو يعد بفرض التعرفات الجمركية التي بادر بها خلال الفترة الحالية.
ورغم استخدام السياسيين التعرفات الجمركية كأدوات لتحقيق الفائدة يشعر المستهلكون والاقتصاديون بالقلق من ان تؤدي تعرفات ترامب، التي جاءت عقب توليه المنصب بأسابيع لا غير، الى رفع أسعار السلع والخدمات. يصف كثير من الناخبين أسعار السلع الاستهلاكية والأمور المتعلقة بالقدرة الشرائية عموماً بأنها كانت على رأس أولوياتهم الانتخابية، لكن ثمة توجسا الآن من ان تؤدي هذه التعرفات الى رفع اسعار السلع الاستهلاكية والبنزين والطاقة وقطاعات السيارات.
مع اشتداد التركيز على التعرفات والنقاش الدائر حول الفوائد والمخاطر المحتملة نعرض ادناه ما يحتاج القارئ الى معرفته بشأن الضرائب الحكومية وأسباب تأييد ترامب لها.
ما هي التعرفات الجمركية؟
التعرفات الجمركية على السلع والبضائع المستوردة، كتلك التي يفرضها ترامب، هي ببساطة ضرائب تفرضها الدولة على السلع التي تأتي من دول أخرى. هناك ايضاً تعرفات على الصادرات، وهي ضرائب تفرض على السلع والبضائع التي تخرج من البلد، لكن هذه أندر كثيراً من النوع الأول.
هناك أنواع عديدة ومختلفة من التعرفات الجمركية، والنوع الذي يفرضه ترامب حالياً يطلق عليه "التعرفة الجمركية على اساس القيمة" ومعناها أن الضريبة على السلع المستوردة يتم حسابها بصيغة نسبة مئوية من قيمة المنتج.
من الذي يتحمل عبء التعرفات؟
المستوردون المحليون هم من يدفع التعرفات الجمركية عادة، التي تؤدى الى دوائر حماية الضرائب والحدود الأميركية، بيد ان خبراء الاقتصاد يؤكدون أن جزءاً من قيمة هذه الرسوم ينتهي به المطاف الى زيادة العبء على المستهلك لأن البائعين قد يعمدون الى رفع أسعار ما يستوردونه من سلع للمستهلكين كرد على التعرفات الجمركية.
يقول "فيلكس تنتلنوت"، وهو استاذ مشارك متخصص بالاقتصاد من جامعة ديوك: "تؤدي التعرفات بشكل عام الى ارتفاع كلفة السلع المستوردة، لكنْ ثمة استدراك.. فمن الممكن من حيث الاحتمال أن يلجأ المصدّر الأجنبي الى خفض سعر بضاعته ليبقيها ضمن حدود السعر المنافس فلا يخسر السوق."
مثلاً أن ثمار الأفوكادو تستورد من المكسيك غالباً، ومن المحتمل ان تؤدي تعرفات ترامب الجديدة الى رفع كلفة استيرادها، بالتالي قد ترفع محلات البقالة أسعار الأفوكادو للتعويض عن الضريبة المضافة، كما يوضح تنتلنوت.
لماذا يؤيد ترامب فرض التعرفات الجمركية؟
قال ترامب أنه خطط لفرض تعرفات جمركية على السلع المستوردة من اجل اعطاء دفعة دعم للمصنعين الأميركيين وانهاء ما وصفه بالممارسات التجارية غير المنصفة.
فخلال شهر تشرين الأول 2024، وفي سياق حملته الانتخابية، أعلن ترامب قائلاً: "انظروا الى مصانع الفولاذ الجميلة القديمة الخاوية تلك والمصانع التي خلت وأخذت تتداعى. نحن سنعيد احياء الشركات.. إذ سنخفض الضرائب على الشركات التي تبدأ بصنع منتجاتها في الولايات المتحدة، وسوف نحميها بفرض تعرفات جمركية شديدة."
صرح ترامب ايضاً ان الغاية من التعرفات الجمركية هي ايقاف تدفق المهاجرين غير المسجلين والمخدرات غير المشروعة الى الولايات المتحدة. وقد ادعى مؤخراً، من مكتبه داخل الغرفة البيضاوية، ان الصين تصنع مادة الفنتانيل ثم ترسلها الى المكسيك غالباً او تمرره عبر كندا في احيان كثيرة ومناطق اخرى مختلفة .. ومن هناك يدخل الى الولايات المتحدة. لذا فإن هذه الدول الثلاث جميعاً قد اساءت التعامل مع الولايات المتحدة، على حد تعبير ترامب.
ما هي الآثار المحتملة لتعرفات ترامب؟
تفيد دراسة اجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي خلال الفترة الماضية أن اكبر التعرفات التي فرضها ترامب يمكن ان ترفع التكاليف على المستهلك الأميركي بمقدار يصل إلى 2600 دولار سنوياً، وهذا سيلحق ضرراً بالغاً بالأميركيين منخفضي الدخل. كذلك صرح المدير التنفيذي لشركة وول مارت للبيع بالتجزئة أنهم يتوقعون ان يضطروا الى رفع اسعارهم.
يقول تنتلنوت: "تفد الينا السيارات من كندا والمكسيك، كما ترد مواد غذائية كثيرة الى محلات البقالة مصدرها الغالب هو المكسيك، لذا يمكننا ان نتوقع زيادات في الأسعار."
التعرفات التي فرضها ترامب خلال دورته الرئاسية الأولى على الصلب والملابس والاثاث الخشبي دفعت المنتجين الأميركيين الى رفع انتاجهم من هذه السلع. لكن تنتلنوت واقتصاديين آخرين معه يشعرون بالقلق من ان تكون للتعرفات الأكثر شمولاً آثار واسعة على التضخم بالنسبة للمستهلك الأميركي.
يقول تنتلنوت أيضاً ان التعرفات الحالية مختلفة عن تلك التي فرضها ترامب على الصين خلال ولايته الأولى – والتي استمر مفعول بعضها خلال فترة ولاية بايدن. سبب ذلك هو ان التعرفات تفرض على السلعة بوضعها الاجمالي ككل غير مجزأ، أي أن السيارة التي تصنع في المكسيك او كندا مثلاً وتستخدم فيها قطع واجزاء مصنعة في أميركا تبقى خاضعة للتعرفة عند دخولها الولايات المتحدة.
يمضي تنتلنوت مستطرداً: "معظم المواد الواردة الى الولايات المتحدة من الصين مصدرها الصين بالدرجة الأساس، او مناطق اخرى من آسيا. بينما نجد في حالة كندا والمكسيك بعد التدقيق أننا في واقع الحال نفرض تعرفة على الأميركيين بشكل غير مباشر."
رد كندا والمكسيك والصين
افتتحت كندا والمكسيك تعرفاتهما الانتقامية عقب توقيع ترامب أوامره التنفيذية مباشرة، ويقول تنتلنوت ان هذه التعرفات يمكن ان تطلق زناد حرب تجارية أوسع نطاقاً تؤدي الى تفاقم التضخم بشكل متسارع."
فمن خلال خطاب القاه رئيس الوزراء الكندي "جاستن ترودو" مباشرة بعد يوم واحد من توقيع ترامب أمر تنفيذ تلك التعرفات، وبعد الإعلان عن تعرفات انتقامية مقابلة من جانب كندا نسبتها 25 بالمئة على البضائع الأميركية التي تصل قيمتها الى 155 مليار دولار، قال: "لم نكن نريد أن نكون في هذا الموقف."
وجاء اليوم التالي للإعلان الأميركي ليتطرق ترودو خلاله الى موضوع التعرفات مرة أخرى عبر منصة أكس، إذ كتب: "قد آن لنا ان نختار المنتجات المصنوعة هنا في كندا. وأريد منكم أن تتحققوا جيداً من العلامات الملصقة ولنقم بواجبنا.. لنختر كندا ما استطعنا."
أما رئيسة المكسيك " كلوديا شينباوم" فقد انتقدت التعرفات الأميركية وأعلنت عبر وسائل التواصل مباشرة بعد الإعلان الأميركي أنها وجهت وزارة الاقتصاد بفرض خطة تتضمن تعرفات جمركية وإجراءات اخرى دفاعاً عن مصالح المكسيك.
كذلك أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً خلال الفترة ذاتها قالت فيه ان الصين تندد بهذا التحرك وتعارضه بقوة، وأنها سوف تتخذ الاجراءات المقابلة التي يقتضيها الموقف." أكد البيان ايضاً ان الصين تتخذ موقفاً صارماً بالنسبة لمكافحة المخدرات، أما دخول مادة الفنتانيل فهو شأن يخص الولايات المتحدة حصرا.
ثم جاء دور رد الرئيس ترامب ليرد كما يبدو عبر منصة "تروث سوشيال" موضحاً ان الشركات التي تصنع منتجاتها داخل الولايات المتحدة لن يطلب منها تحمل رسوم اضافية.
فقد كتب ترامب: "تعاني الولايات المتحدة عجزاً كبيراً مع كندا والمكسيك والصين – وجميع الدول تقريباً- إذ تبلغ مديونيتها نحو 36 ترليون دولار، لذا لن نبقى بعد الان تلك الدولة البلهاء." وادعى الرئيس أن هذا العصر سيكون "عصر أميركا الذهبي"، مقراً بأن أميركا سوف تعاني شيئاً من الألم بسبب التعرفات الجديدة، إلا ان المكاسب في نهاية المطاف ستستحق الثمن الذي دفع لقاءها.
بعد ذلك استهدف ترامب كندا بالذات بمنشور آخر اقترح فيه أن تصبح هذه الدولة هي الولاية الأميركية الحادية والخمسين، وعندئذ لن يترتب عليها تحمل اي تعرفات جمركية. ثم كتب قائلاً: "نحن ندفع مئات المليارات من الدولارات دعماً لكندا، فهل هناك ما يبرر ذلك؟ كلا، ليس هنالك من مبرر، فهم لا يملكون شيئاً نحتاج اليه."
عن مجلة تايم الأميركية
أخبار اليوم

تقرير السوق المفتوح لعام 2024: نظرة على أكثر السيارات طلبًا في العراق وتوجهات السوق
2025/03/13 علوم وتكنلوجيا