كانت "معركة بدر" أول معركة مُسلَّحة كبرى خاضها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش، وذلك يوم الجمعة، في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة، قُرْبَ بدر على بُعد حوالي مئة وستين كيلو متراً من المدينة، فيما بينها وبين مكّة المكرّمة.
سبب المعركة
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه مستهدفين السيطرة على القافلة التجاريّة التي كان يقودها أبو سفيان، المُتوجِّهة من الشام إلى مكّة، لا طمعاً في المال والغنيمة وإنّما بُغية التعويض على المسلمين ممّا أخذه منهم المشركون، وفرض حصار اقتصاديّ على قريش، علَّ ذلك يدفعها إلى الامتناع عن محاربة الدعوة، والتآمر على الإسلام والمسلمين. لقد كان قرار التصدي للقافلة ينطوي على احتمال تطوُّر الموقف، وحصول مواجهة عسكريّة، ونشوب معركة حاسمة ومصيريّة، وهو ما حصل فعلاً. فقد علم أبو سفيان بتحرُّك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فغيّر طريقه، وأرسل إلى مكّة يطلب النجدة من قريش، فأقبلت قريش بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل لحماية القافلة، وحين علمت قريش بنجاة القافلة حاول بعض قادتها أن يكتفي بذلك ويدعو إلى الانسحاب والعودة إلى مكّة، إلّا أن أبا جهل وغيره أصرَّوا على العدوان، فقرّروا الهجوم على المسلمين، والتقى الجمعان في بدر.
أحداثها
بدأت المعركة بالمبارزة، وقد دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه المعركة رايته إلى عليٍّ، وكان عمره يوم ذاك 25 سنة، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين إلى البراز، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار، وهم من بني عفراء: معاذ ومعوذ وعوف (كما ذكر ابن الأثير في تاريخه[ج2، ص125]، عوف ومعوَّذ ابنا عفراء، وعبدالله بن رواحة، كلَّهم من الأنصار)، فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده، ترفَّعوا عن مقاتلتهم، وطلب عتبة من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرسل له الأكفاء من قريش.
فالتفت نبيُّ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بني عمومته، وأحبَّ أن تكون الشوكة في بني عمِّه وقومه، وقال: "قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبدالمطَّلب، قم يا عليَّ بن أبي طالب"، فقاموا مسرعين، يهرولون بين الجيشين على أقدامهم، بقلوب ثابتة، عامرة بالإيمان، ووقفوا أمام القوم، فقال عتبة: تكلَّموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطَّلب، أسد الله، وأسد رسوله، فقال عتبة: كُفءٌ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذا معك؟ قال: عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كُفآن كريمان )طبقات ابن سعد: ج 2،
ص 12).
فبرز عبيدة بن الحارث ـ وكان عمره سبعين سنة ـ إلى عتبة بن ربيعة ـ وقيل شيبة ـ فضربه على رأسه، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها، وسقطا معاً، وحمل عليٌّ (عليه السلام) على الوليد ـ وكانا أصغر القوم سنَّاً ـ فضربه عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) على حبل عاتقه، فخرج السيف من إبطه، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيف حتى انثلما، فاعتنق كلُّ واحد صاحبه، وكان حمزة أطول من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما ترى الكلب قد بهر عمَّك؟ فأقبل عليهما، فقال عليٌّ: (طأطئ رأسك يا عم" فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام على عنقه فقطعها، ثُمَّ كرَّ عليٌّ (عليه السلام) وحمزة على عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال: "ألستُ شهيداً يا رسول الله؟" قال: "نعم". قال: (لو رآني أبو طالب لعلم أننا أحقُّ منه بقوله:
ونُسْلمه حتَّى نصرَّع حولــهُ ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ) ( الكامل في التاريخ: ج 2، ص 22).
ولم يلبث بعدها إلاّ يسيراً، وهو أول شهيد من المسلمين في تلك المعركة.
ثمَّ التحم الجيشان، ودار بينهما أعنف قتال، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام.
وقَتَلَ عليٌّ (عليه السلام) ـ فيمن قتله يوم ذاك ـ نوفل بن خويلد، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال فيه: "اللَّهمَّ اكفني ابن
العدوية".
واشترك النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المسلمين، وكبرياء مشركي قريش يتهاوى تحت الأقدام، ثمَّ أخذ كفَّاً من التراب ورمى به إلى جهة المشركين قائلاً: "شاهت الوجوه، اللَّهمَّ أرعب قلوبهم"، فانهزموا تاركين أمتعتهم وأسلحتهم، وانجلت المعركة عن مقتل سبعين رجلاً من مشركي قريش، وكانوا سادات قريش وأبطالها، وأُسر منهم سبعون رجلاً، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.
وقد أحصى بعض مصادر التاريخ من قتلهم عليٌّ (35) رجلاً، وذكرتهم بعض المصادر بأسمائهم. إرشاد المفيد: ج 1، ص 70 ـ 71 .
نتائج المعركة
ولعلّ أبرز نتائج هذه المعركة أنها:
أوّلاً: عزّزت ثقة المسلمين بأنفسهم، وثبّتت إيمان بعض المتردِّدين في إسلامهم.
ثانياً: جعلت من المسلمين قوّة مرهوبة الجانب عند القبائل المشركة واليهود في المنطقة.
ثالثاً: شجّعت الكثيرين على الدخول في الإسلام بعد أن كانت قريش تُشكِّل الحاجز النفسيّ والماديّ لهم.
رابعاً: أضعفت هيبة قريش ونفوذها ومكانتها بين العرب.
خامساً: فتحت الأبواب أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للانطلاق بحريّة أكبر في نشر الدعوة.
سادساً: زادت من قوّة التضامن والتماسك بين المهاجرين والأنصار، وعزّزت وحدة الفريقين في مواجهة التحدّي.
وأثبتت تجربة بدر: أن القِلّة المؤمنة المجاهدة الصابرة التي تملك إرادة قويّة وعزيمة راسخة، وإخلاصاً، ووعياً، وتخطيطاً، تستطيع أن تُحقّق الانتصارات والإنجازات الكبرى بإذن الله
حتّى ولو كان العدوّ يملك الكثرة والقوّة الماديّة الكبيرة، يقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّة ٌ﴾، وكذلك النصر بحاجة إلى عنصر روحيّ معنويّ هو الإيمان بالله، والإخلاص له، والاعتماد عليه، والثقة به، وغير ذلك ممّا يُوفِّر للإنسان قوّة روحيّة ومعنويّة، تُبعده عن الشعور بالقلق والخوف والضياع أمام مواقف
التحدّي.