نفاياتك كهرباء

الصفحة الاخيرة 2025/03/24
...

عبدالهادي مهودر


عاد أحد الأصدقاء من جولة في عدد من الدول الجارة والبعيدة، وأكثر مالفت نظره وأثار استغرابه هو نظافة المدن مع غياب سيارات جمع النفايات وخلو حاويات الأزبال في الوقت نفسه، قلت له يبدو أن الغربة أثارت اشتياقك إلى نفاياتنا التي تملأ الشوارع وإلى الحاويات التي تغص وإلى سيارات النظافة التي تحمل شعار حافظ على نظافة مدينتك وهي غير نظيفة ولا محافظة على نظافة نفسها، وذكّرته بأكياس النفايات التي ترمى من الطوابق العليا في المجمعات السكنية دون احترام لنعمة الله ولعباده الذين يمشون على الأرض في أمان الله، ولسان حال صديقي يقول ليتني ماسألت، فقد أخبروه أن إخراج النفايات من البيوت محدد بتوقيتات تبدأ قبل منتصف الليل بساعة او ساعتين وتنتهي عند الثالثة فجراً، ولأنه من النوع الذي لايصدّق أي كلام فقد راقب الموقف وسهر الليالي ليرى سكَنة الدور والمجمعات ينشطون برمي النفايات في هذه الأوقات فقط وشاهد بأم عينيه سيارات نقل النفايات تجوب المنطقة ليلاً فقط ويختفي كل شيء في الصباح ولا تقع عين المواطن النظيف إلا على ماهو جميل، وليس غريبا فمدن العالم تجاوزت رمي وجمع النفايات بشكل عشوائي وتحرص على فرز النفايات وبقايا الطعام في حاويات خاصة، مع أنها دول غير مسلمة، لكن بقايا الطعام ترمى على الطرقات في دول الصلوات والتكبير ويختلط الطعام بالنفايات مع سبق الإصرار، وهناك استثمروا النفايات في توليد الطاقة، لكننا هنا اخترعنا مهنة النبّاشة وفكرة دفن النفايات و حرقها ، او رميها في مياه النهرين الخالدين ثم نغني ( اشتاگ الك يانهر يلبردك الجنة..صفصاف شعري هِدَل وبمايك تحنه ).

والحقيقة المرة "أن مدينة بغداد تطرح يومياً ما يقارب 10 آلاف طن من النفايات، و40% منها نفايات عضوية قابلة للاستخدام والتدوير وانتاج الطاقة، وأدى ذلك إلى ارتفاع تصنيف بغداد في مقياس التلوث" والكلام لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني عند إطلاقه، نهاية الاسبوع الماضي، الأعمال التنفيذية لمشروع تحويل النفايات إلى طاقة كهربائية، في محطة النهروان، وهذا الرقم الكبير يكشف عن خصومتنا الطويلة مع البيئة حتى جاء اليوم الذي نتصالح معها بهذا المشروع الرائد الذي طال انتظاره وكان حلم الكثيرين من المتخصصين وسكان بغداد والمحافظات برؤية مدن نظيفة وشمّ هواء نقي خالٍ من الدهان والكبريت، وبمثل هذه المشاريع يتغيّر الواقع لكن تبقى مسألة تحويل النظافة إلى سلوك اجتماعي بحاجة إلى مشروع ثقافي وطني يوازي المشروع الاستثماري يخرجنا من تصنيف المدن والشعوب الملوثة للبيئة ويدخلنا في مشروع مصالحة بيئية انطلاقاً من النهروان إلى كل مدن العراق، وصولاً إلى لحظة امتناع المواطن عن تسليم نفاياته المنتجة للطاقة إلا مقابل ثمن، تخيّل عزيزي المواطن النظيف أن نفاياتك اليومية ستصبح كهرباء، حينذاك سيكون من حقك الامتناع عن تسليمها ببلاش، أكتب على باب بيتك : لدينا كهرباء للبيع.