د. قاسم حسين صالح
من تعاملي مع عدد من الشعراء العراقيين والفنانين التشكيليين، وجدت بينهم من يشكو كثيراً من (القلق). واللافت أن الغالبية المطلقة منهم لا يعرفون السبب الحقيقي لقلقهم، بل معظمهم يرى أن القلق حالة طبيعية وضرورية، وأنه من دونه لا يمكن للشاعر ولا الفنان أن يكون مبدعا، وضرب لي أحدهم مثلا بالفنان سلفادور دالي.
ومن متابعتي لعدد منهم، وجدت أن عددا من المبدعين منهم يعاني من قلق نطلق عليه نحن السيكولوجيون مصطلح (القلق الوجودي). ويعود سبب هذه التسمية إلى الجرائم المريعة التي ارتكبت بحق ملايين البشر في الحرب العالمية الثانية، وتهرؤ القيم الإنسانية وشيوع عبثية الحياة التي جسدتها كتابات الأدباء والفلاسفة الوجوديين، أمثال "البرت كامو، وجان بول سارتر، وآرثر ميلر" التي شاعت في خمسينيات القرن الماضي.
ولمن يود التعرّف على حالات نموذجية لهذا النوع من القلق فإنه يجدها في روايات معروفة مثل: رواية "الغريب " للكاتب الوجودي الفرنسي – الجزائري " البريت كامي"، ورواية "الغثيان" لـ "جان بول سارتر"، و"بعد السقوط " للكاتب المسرحي الامريكي "آرثر ميلر".
وفي الأدب العربي هناك حالات تقترب في وصفها لمثل هذا النوع من القلق في روايات مثل: "اللص والكلاب" و"الشحاذ" للكاتب المصري نجيب محفوظ، و "موسم الهجرة للشمال" للكاتب السوداني الطيب صالح.
وننبّه إلى أن القلق الوجودي اضطراب انفعالي، وهو كغيره من أنواع العصاب له اضطراباته الوجدانية والفكرية والسلوكية. فمن الناحية الوجدانية يكون الشعور الغالب، عند الشاعر والفنان بشكل خاص، هو الإحساس بالملل والفراغ ومشاعر بالاكتئاب المتقطع. ومن الناحية الفكرية تسيطر على صاحبه أفكار بأن الحياة لا معنى ولا ضرورة لها. أما سلوكياً فان المصاب به يصبح غير مكترث للقيام بأي نشاط، أو أن يسيّر حياته ويوجهها بشكلها المعتاد. والأهم من هذا هو التبريرات الفلسفية التي يحيكها الشخص بمهارة مبرراً بها إحساسه بالاغتراب عن مجتمعه ومشاعره وتقاعسه عن أداء نشاطاته المعتادة.
وعليك أن تعرف أيضا بأن القلق الوجودي، كالاكتئاب، كلاهما يغرقان في الحزن، والاغتراب، والشعور بعدم الجدوى، لكن الغالب في حالات القلق الوجودي هو عدم الاكتراث، وفقدان الاحساس بوجود أي معنى للحياة. والخطورة حين يقف الشاعر أو الفنان أمام المرآة ويسأل صورته: (منو أنت؟! وليش عايش؟) وإذا لم يتدارك نفسه بمراجعة طبيب أو استشاري نفسي، فإنه غالبا ما ينتهي الحوار أما بانتحار تدريجي بالإدمان على الخمر، فتكون النهاية على طريقة عبد الأمير الحصيري، أو بشنق نفسه على طريقة مهدي علي الراضي.