اقتصاديون: الادخار يهدد تمويل المشاريع التنموية

اقتصادية 2025/03/24
...

 بغداد: مقتدى أنور

بالرغم من التطور التكنولوجي والاستقرار الذي تشهده البلاد، تتزايد ظاهرة الادخار في المنازل وابتعاد المواطنين عن التعامل مع المصارف، وهو ما يشكل تحدياً جديدًا أمام الاقتصاد الوطني. هذه الظاهرة، التي يرى الخبراء أنها ناتجة عن ضعف الثقة بالمصارف، تؤدي إلى سحب جزء كبير من السيولة النقدية من الدورة الاقتصادية، مما يعرقل الاستثمار، ويضعف دور المصارف في تمويل المشاريع التنموية.


تحدٍّ كبير 

يشير منار العبيدي رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات الاقتصادية، إلى أن انخفاض المدخرات في المصارف يمثل تحديًا كبيرا للاقتصاد العراقي، إذ يؤدي إلى تقليل الموارد المتاحة للإقراض، مما يضعف قدرة البنوك على تمويل المشاريع الاستثمارية وهذا النقص في التمويل قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

وأضاف في حديثه لـ”الصباح”، أن العديد من القطاعات الإنتاجية تعتمد على القروض لتمويل توسعاتها وتحسين إنتاجيتها، ومع عزوف المواطنين عن الادخار في المصارف قد تلجأ الشركات إلى مصادر تمويل بديلة غالبًا ما تكون أكثر تكلفة أو أقل استقرارًا، مما يزيد من مخاطر التعثر المالي ويؤثر سلبًا في استقرار السوق.

ويرى العبيدي أن الجهات المعنية مطالبة باتخاذ خطوات جادة لتعزيز ثقة المواطنين بالمصارف، ومن أهم هذه الإجراءات ضمان الودائع من خلال إنشاء أو تعزيز أنظمة تضمن أموال المودعين في حال تعثر البنوك، مما يرفع مستوى الأمان المالي لدى المواطنين، وكذلك تعزيز الشفافية عبر إلزام المصارف بتقديم معلومات واضحة وشفافة حول منتجاتها وخدماتها، بما في ذلك الرسوم والفوائد والمخاطر المحتملة، لتمكين العملاء من اتخاذ قرارات مالية مستنيرة، وتشديد معايير الحوكمة عبر فرض رقابة صارمة على البنوك لضمان إدارة فعالة ونزيهة، والحد من المخاطر المالية والإدارية التي قد تؤثر في أموال المودعين.


جذب المدخرات

ولتجاوز هذه الأزمة يؤكد العبيدي، ضرورة أن تتخذ المصارف خطوات عملية لجذب المدخرات وزيادة الإيداع، منها تقديم حوافز ادخارية مثل رفع معدلات الفائدة على الودائع، وتشجيع المدخرين من خلال برامج مكافآت وعروض جذابة، وتطوير الخدمات الإلكترونية عبر تحسين البنية التحتية للخدمات المصرفية الرقمية، لتسهيل عمليات الإيداع والسحب والتحويل، مما يجعل التعامل مع البنوك أكثر سهولة وراحة، إلى جانب توسيع شبكة الفروع وأجهزة الصراف الآلي لضمان وصول الخدمات المصرفية إلى شرائح أكبر من السكان، خاصة في المناطق النائية والريفية، وتحسين خدمة العملاء من خلال تدريب الموظفين على تقديم خدمة مصرفية سريعة وفعالة، مما يعزز رضا العملاء ويشجعهم على التعامل المستمر مع المصارف.

وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قد أكد أهمية الإصلاح المصرفي في تعزيز ثقة المواطن، والتعاون مع المستثمرين المحليين والأجانب، مشددا على العمل على تقديم مصرف بمواصفات ومعايير يمكن من خلالها تجاوز المشاكل وإعطاء الثقة للمواطنين، بجانب تعزيز التعاون مع المستثمرين 

المحليين والأجانب.



الربحية السريعة

من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور دريد العنزي لـ«الصباح»، أن المصارف العراقية تركز بشكل رئيس على تحقيق الربحية السريعة من دون تقديم خدمات مصرفية حقيقية، ويرجع ذلك إلى قلة الأنشطة الاقتصادية التي تدعم نظامًا مصرفيًا قويًا. 

وأضاف، أن معظم الخدمات المصرفية أصبحت مقتصرة على عمليات الإيداع والسحب وإصدار الصكوك والحسابات التجارية وحسابات التبادل الجاري، في حين تشهد الخدمات الاستثمارية والتمويلية الهادفة إلى التطوير 

غيابًا شبه تام.

ويرى العنزي، أن من أبرز المشاكل التي تضعف ثقة المواطنين بالمصارف هي السياسات المتقلبة، إذ يؤدي التخفيض والرفع المفاجئ لسعر الدولار إلى خسارة المدخرين جزءًا من قيمة ودائعهم، التي قد تصل إلى 20 % في بعض الحالات، إضافة إلى ضعف السيولة النقدية وانتشار التهريب المالي وتحكم السوق السوداء في سعر الصرف، فضلاً عن غياب نظام إفلاس المصارف وانعدام الشفافية والإجراءات التنظيمية الواضحة، مما يدفع المواطنين إلى العزوف عن التعامل مع المصارف واللجوء إلى الادخار في المنازل.

ويؤكد العنزي أن إصلاح النظام المصرفي بات ضرورة ملحة ليصبح وسيلة آمنة ومربحة للمواطنين، مما يسهم في تنشيط الاقتصاد وتعزيز الثقة بين جميع الأطراف، موضحا أن الإصلاحات المطلوبة تشمل ضمان حماية الودائع من خلال تشريع قوانين تلزم المصارف بتأمين أموال المودعين، خصوصًا في الأزمات المالية، وتعزيز الثقة بين الحكومة والمصارف عبر وضع سياسات نقدية مستقرة، إضافة إلى نشر الثقافة المصرفية من خلال توعية المواطنين بأهمية التعامل مع البنوك، وتوفير تسهيلات رقمية متطورة تجعل التعاملات المصرفية أكثر سلاسة وأمانًا، مما يعزز استخدام النظام المصرفي ويحد من ظاهرة الادخار خارج المؤسسات المالية الرسمية.    

يشار إلى أن وزير الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة بنكين ريكاني، قد شدد على ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة لإدارة الاقتصاد في البلد، وعدم البقاء على سياسة الاقتصاد الريعي المعتمد بإيراداته على النفط فقط، محذّراً من توقف مشاريع البنى التحتية في حال عدم تفعيل نظام الجباية، كما كشف ريكاني عن وجود قرابة 80 تريليون دينار مخزّنة في منازل المواطنين غير فعّالة في الدورة الاقتصادية للبلد.


تعزيز الثقة

أما الخبيرة الاقتصادية الدكتورة إكرام عبد العزيز، فتشير إلى وجود مشاكل في الثقة بين المصارف والبنك المركزي والحكومة، مؤكدة الحاجة إلى تحسين التعاون والتكامل بين هذه الأطراف لضمان استقرار النظام المصرفي. 

وفي حديثها لـ”الصباح”، ترى عبد العزيز أن انتشار الفروع المصرفية، وتحديث التقنيات، وتحسين مستوى الشفافية، كل ذلك من شأنه أن يسهم في تعزيز هذه الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية.

وتوضح أن تخزين الكتل النقدية الكبيرة في المنازل يعود إلى مخاوف المواطنين من الأوضاع الأمنية والسياسية، إضافة إلى عدم ثقتهم بقدرة المصارف على حماية أموالهم من التضخم أو القرارات المفاجئة، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام الاقتصاد. وترى أن جذب هذه الأموال إلى الدورة الاقتصادية يتطلب تقديم محفزات وتسهيلات من قبل المصارف، مثل رفع سعر الفائدة، وتوفير ضمانات حقيقية لحماية المودعين، والابتعاد عن الفساد الذي يهدم ثقة المواطنين بالنظام المصرفي.

ولتعزيز ثقة المواطنين بالمصارف، سواء كانت حكومية أو أهلية، تشدد عبد العزيز على ضرورة توظيف الإعلام الاقتصادي لطرح المستجدات المالية والمصرفية بطريقة مهنية ولغة مفهومة للجميع، سواء للمتخصصين أو لعامة الناس. كما تؤكد أهمية تبسيط الإجراءات المصرفية، وتسهيل فتح الحسابات، وتحسين خدمات العملاء بما يضمن احترام وقت وجهد المراجعين. وتضيف أن تقديم خدمات مصرفية متطورة، مثل تخفيض الرسوم، وزيادة التوعية حول أهمية الادخار، وتعزيز التحول إلى التعاملات الرقمية بدلاً من النقد الورقي، فضلا عن توضيح فوائد الادخار وطرق استثماره لتحقيق عوائد مجزية، كلها عوامل ضرورية لإعادة بناء الثقة بالنظام المصرفي وتحفيز المواطنين على إيداع أموالهم في المصارف بدلاً من الاحتفاظ بها في المنازل.