بان ستار متعب
يتصف الاقتصاد العراقي بكونهِ اقتصاداً ريعياً، إذ إنه يعتمد على النفط في تمويل الموازنة العامة والناتج المحلي الأجمالي كذلك، فهو المصدَر للعملات الأجنبية، لذا فإن الاقتصاد العراقي عرضة لخطر تقلبات أسعار النفط عالمياً، لذا فإن واقع الحال يتطلب التنوع في مصادر الاقتصاد العراقي إلى جانب النفط، ليكون اقتصاداً مرناً قادراً على مواجهة الصدمات التي من الممكن أن يتعرض لها، على أن يجري ذلك تدريجياً إلى أن يتم إحلال القطاعات الأخرى، لتسهم في تمويل الموازنة العامة للبلد والزيادة في الناتج المحلي الأجمالي.
هناك عـدة تحديات تواجه تنوع الاقتصاد، منها الفساد، إذ يُعد الفساد أكبر عقبة أمام تنويع الاقتصاد، فهو يؤدي إلى هدر الأموال وإلى تخصيص الموارد بشكل غير فعال، كذلك فإن الاعتماد على النفط يجعل من الصعب تغيير العقلية الاقتصادية والانتقال إلى قطاعات جديدة، فضلاً عن أن التقلبات في أسعار النفط تؤثر في القدرة على التخطيط للاستثمار طويل الأجل.
وقد تعرض الاقتصاد العراقي لتحديات كبيرة في عام 2014 نتيجة لزيادة نفوذ الجماعات التكفيرية (داعش الإرهابي)، وتزامن مع ذلك انخفاض سعر النفط عالمياً، مما أثر في استقرار الأقتصاد في البلد، وكذلك في عام 2020 ازداد سوء الأوضاع الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى التقلبات المستمرة بأسعار النفط.
وتُعد مسألة الاستفادة من عائدات النفط لتنويع الاقتصاد قضية محورية بالنسبة للعديد من الدول النفطية، بما في ذلك العراق، إذ على الرغم من أن النفط يمثل مصدراً رئيسياً للدخل، إلا أن الاعتماد المفرط عليه يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، وهناك بعض الإستراتيجيات المقترحة للاستفادة من عائدات النفط لتنويع الاقتصاد، إذ يمكن للحكومة العراقية أن تتخذ قراراً سياسياً بتحويل جزء من عائدات النفط إلى صندوق سيادي، وهذا القرار يحتاج إلى دعم من كافة الأطراف السياسية لتحقيق التوافق الوطني حول أهمية هذا الصندوق، وهذا سيعزز السيادة الوطنية، مما سيقلل من تأثير الضغوط الخارجية ويعزز القرار السياسي، ويقلل من الاعتماد على الديون أو المساعدات الدولية، وبذلك سيسهم في منح الحكومة مساحة أكبر لرسم سياستها بحرية.
ويمكن استثمار الصندوق في مشاريع طويلة الأجل، ولا بد من تنوع استثمارات الصندوق، كالعقارات والأسهم والسندات والمشاريع التنموية والإنتاجية، إذ لا يقتصر الاستثمار على الأصول المالية التقليدية، وبذلك تسهم في تنويع اقتصاد البلد.
فضلاً عن إمكانية استخدام أموال الصندوق للاستثمار في البنية التحتية، مثل شبكة الماء والكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والاتصالات في المناطق المحرومة أو المتأثرة بالصراعات، مما يقلل من التوترات السياسية وبالتالي يخلق بيئة جاذبة للاستثمار الخاص، ويسهم في تحسين الاقتصاد المحلي.
ويشكل النفط حالياً ما يزيد على (90 %) من إيرادات الموازنة العامة للعراق، لذلك من الضروري دعم القطاعات غير النفطية، لتسهم هي الأخرى في الموازنة العامة لتحقيق المرونة والاستقرار، ومن الممكن أن يكون ذلك عن طريق تقديم حوافز للاستثمارات التي تكون مدعومة من الصندوق السيادي (سواء أكانت حوافز مالية أم ضريبية) في القطاعات غير النفطية، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، وتوفير التمويل اللازم للشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ إن هذه الشركات تلعب دوراً مهماً في تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل، مع ضرورة وضع سياسة مالية صارمة لضمان الاستدامة المالية للصندوق
على المدى البعيد.