شهر العتق والدخول إلى الجنان

منصة 2025/03/25
...

 الدكتور عبد الرضا البهادلي


يمثل شهر رمضان المبارك زمانا فلكيا يضم طلاسم من الغيب والروح والتسامي للنفس في هذا التوقيت المتغير مع دورة الفصول الأربعة، ليصنع زمنا مقدسا ويرفرف على المعمورة صباح مساء، من أجل العودة إلى الإنسان الأول الخالي من الشوائب المكتظة وتعقيدات الحياة في زمن التشهير وغياب الوضوح للقيم العظمى.

الصيام يعني الامساك عن الأكل والشرب وسائر المحرمات والشهوات الغريزية في وقت محدد، ويعد جنة من  خوف  وصحة من مرض وعافية من سقم  وأمان وإيمان، شهر في طياته مضامين عالية تتنقل بين نهاراته ولياليه، فالعشر الأولى تمثل الغفران والثانية تختص بالعتق من النيران والثالثة الولوج إلى الجنان،  وورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم".

وفلسفة الصوم في أبسط صورها تمثل مسلكا للزهد بطقوسه المعلومة، وهذا الزهد أو التزهد يتناغم مع عمليات البدن الفيزيائية والكيميائية، فالنسك والتقشف يجعلان النفس تغور في أعماق الغيب السحيق والتأمل بهذه الاغوار العميقة التي تلامس الروح الغائبة عن هكذا أجواء، بل التائقة إلى التسامي والراحة والطمأنينة هروبا من الروتين والتعقيدات والأشياء المكتظة التي أصبحت ظاهرة تزيد من تشتيت الانسان.  

والصوم يخلع الأنا المثقلة بالآهات ويصنع أجواء جمعية مليئة بالأعمال والأنشطة ذات الطابع الإنساني المتميز، حتى أصبح الشهر الفضيل رمزا ومدونة حقيقية لشموخ هذه الأمة .

وتمثل العشر الأواخر المحور الذي تدور في فلكه النشاطات المقدسة بدأ من جرح أمير المؤمنين علي عليه السلام  إلى شهادته، فضلا عن ليالي القدر وليلة التوديع للشهر الكريم او يوم الوداعة كما يحلو للعراقيين تسميته، فهذه الأيام تمثل مرحلة القطاف لكل ما جنته النفس من تزكية لها وترويض، كي تكون مؤهلة للعتق من النار والدخول إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .