الشرق وجبهاته الساخنة

قضايا عربية ودولية 2025/03/27
...

علي حسن الفواز



يمكن أن يكون تسخين الأجواء السياسية والأمنية في الشرق الأوسط مدخلاً للحديث عن خيارات معقدة، وعن أهداف غامضة ليست بعيدة عن نوايا فتح الأبواب على «حروب ثقيلة» قد لا تتحملها جبهات الشرق، ولا حساباتها الخارجية عن سيطرة اللاعبين الإقليميين.

سياسة اللاأمن واللااستقرار ليست بريئة، فمنذ العدوان على غزة والمنطقة تتحرك «على سطح صفيح ساخن» وسط ضبابية دولية ومتاهة إقليمية، حتى بدا الأمر وكأنه مقصود، وأن هذه الصراعات المتفجرة هي عناوين سريعة لأهداف جيوسياسية، اقتصادية وسياسية وثقافية وهوياتية، لها إكراهات لا تقلُّ عن الأدوات العسكرية، والقابلة للتمدد نحو مناطق أخرى مهددة بحرائق التجارة والأسواق.

يُعدّ عدوان الكيان الصهيوني على غزة، وعلى جنوب لبنان واليمن الحلقة الأبرز في هذا التشظي، وفي الستراتيجيات التي تراهن عليها الولايات المتحدة والغرب، من خلال إعادة تشكيل الخرائط الدولية والإقليمية، وفرض آليات السيطرة على الثروات والممرات، مقابل تعطيل أي إرادة وطنية للمقاومة، أو لرفض سياسات الهيمنة والاستيطان والسيطرة، لأن ما يجري من عدوان دائم، ومن صراع مفتوح ومن لغة عالية السقف، في التهديد والوعيد، يكشف عن رهابات ذلك الواقع الغامض، وعن المستقبل الأكثر غموضاً، فالتصعيد في العسكرة، وفي خلخلة المعادلات الأمنية، وحتى في الغموض الذي يلف الموقف الأميركي إزاء موضوعي السلام، والملف النووي الإيراني، تضع الجميع إزاء رهانات معقدة، ومواقف من الصعب الركون عليها، فشرقنا الأوسط لم يعد آمناً، إذ تحوّل إلى ترسانات عسكرية، تضخم فيها الاستيرادات الضخمة للأسلحة بكل «هويتها القاتلة» وتتسع لها حركة حاملات الطائرات والبوارج، وعلى نحوٍ بات الحديث فيه عن «السلام العقلاني» محض كوميديا سوداء، لأن التصعيد سيدفع إلى تصعيد مضاد، بقطع النظر عن إمكانياته ومعطياته وقدراته، إلا أنه سيكون عنصراً دافعاً إلى مزيد من الرفض والتسخين والتفخيخ، والى توريط بعض الدول إلى الانخراط فيه،  وبالتالي ستكون المنطقة أمام فرضية مفتوحة للحروب الكبرى، ولتحويل أرضها إلى جغرافيا محروقة، لا تنفع معها الاتفاقيات الدولية، ولا الملاذات الآمنة، ولا الترياق الدبلوماسي، لا سيما أن ما يحدث في تركيا اليوم من توتر وعنف، قد يأخذ مساراً  في لعبة السياسات المحروقة، وفي دفع الصراع السياسي فيها إلى ما يشبه العنف الأهلي، وإلى وضع الانتخابات التركية المقبلة أمام واقع صعب، قد يتهدد معه الاستقرار والمصالح، وقد يمتد إلى ما هو ساخن في الشرق الأوسط.