طقوس العيد بين الماضي والحاضر

ثقافة شعبية 2025/03/27
...

 بغداد : رسل عقيل


تتميز الأعياد في العراق بطابع اجتماعي وديني يعكس عمق التقاليد والتراث الشعبي، إلا أن هذه الطقوس شهدت تغيرات ملحوظة عبر الزمن. فبينما كانت الأعياد في الماضي مليئة بالعادات المتوارثة، تراجعت بعض الممارسات التقليدية أمام التحولات الاجتماعية والتكنولوجية.

يؤكد الباحث في الشأن التراثي، مهدي البديري لـ"الصباح"، أن الأعياد في العراق كانت فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية، حيث تبدأ الاستعدادات قبل أيام من العيد بتحضير الحلويات، وعلى رأسها الكليچة، التي تُعد من أشهر الحلويات البغدادية. وتزدحم الأسواق بالمشترين استعدادًا لاستقبال الضيوف.

في يوم العيد، يؤدي العراقيون صلاة العيد في المساجد، ثم يتوجه بعضهم إلى زيارة المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح الراحلين. ومن العادات الأساسية توزيع العيدية، وهي من أكثر الطقوس بهجة بالنسبة للأطفال، الذين يرتدون ملابسهم الجديدة التي يضعونها بجانبهم قبل النوم ترقبًا لهذا اليوم المميز. وبعد حصولهم على العيديات، يتجهون إلى أماكن الترفيه المعروفة بـ"الفرجة"، التي تعمل فقط خلال أيام العيد، حيث يركبون دولاب الهواء، المراجيح، الفَرّارة، وعربات الحصان، وسط أجواء من الغناء والأهازيج الشعبية التي يرددها سائقو العربات، مما يزيد من فرحة الأطفال.

الحاج محمد يستعيد ذكريات طفولته في العيد، قائلاً: "كنا أربعة إخوة، وبسبب قلة المال، كانت والدتي تخيط لنا ملابس العيد قبل فترة طويلة، وكنا ننتظر بفارغ الصبر ارتداءها ليلة العيد. بعد صلاة العيد، كان والدي يوزع علينا الحلوى كنوع من العيدية، وكنا نشعر بفرحة لا توصف. أما اليوم، فأشعر بالحزن عندما أرى أبنائي لا يولون العيد اهتمامًا كبيرًا، وكأنه يوم تقليدي، وهذا دليل على أن التغيير لم يطل الزمن فقط، بل حتى الطقوس نفسها."

أما أم علي فتؤكد أهمية الكليچة كجزء أساسي من طقوس العيد، قائلة: "قبل يومين أو ثلاثة من العيد، نجتمع لتحضير الكليچة، فهي رمز للضيافة العراقية. لكن اليوم، تراجعت صلة الرحم والتواصل المباشر بين الأقارب، حيث حلَّت الاتصالات الهاتفية ورسائل التهنئة محل الزيارات التقليدية."

وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على العيد، مازالت بعض العائلات تحافظ على تقاليدها، كما يوضح الشاب عمر كنعان، الذي يؤكد تمسكه بعادات أجداده: "نبدأ صباح العيد بأداء الصلاة في جامع الإمام أبو حنيفة، ثم نستمع إلى خطبة العيد. وبعدها، نشتري الكاهي والقيمر ليكونا جزءًا أساسيًا من مائدة الفطور، قبل توزيع العيديات بالتساوي بين جميع الأطفال. التمسك بهذه العادات يمنح العيد طابعه المميز ويجعل الجميع متحمسين لاستقباله." في المقابل، ترى نبأ حميد أن العيد بات يقتصر على اليوم الأول فقط، حيث تجتمع العائلة على مائدة الإفطار التي تتصدرها الكاهي والقيمر، ثم تتم زيارة بيت الجد لتقديم التهاني واستلام العيديات. وتضيف: "بسبب الازدحام المروري الشديد، نفضل قضاء بقية أيام العيد داخل المنزل، حيث أصبح الخروج والتنقلات مرهقة أكثر من كونها ممتعة."

يبقى العيد مناسبة تجمع بين الماضي والحاضر، حيث تتداخل الطقوس التقليدية مع إيقاع الحياة الحديثة. وبين من يحاول الحفاظ على العادات القديمة ومن يتأقلم مع متغيرات العصر، يظل العيد عيدًا، يحمل معه الفرح وإن اختلفت صوره.