العراق يخطو بثباتٍ نحو تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة

ريبورتاج 2025/04/08
...

  بغداد: سرور العلي 


يواصل العراق تحقيق خطوات كبيرة نحو استقلاله في مجال الطاقة، مع تنفيذ مجموعة من المشاريع الطموحة في مجال الكهرباء والطاقة المتجددة. فقد أعلن وزير الكهرباء زياد علي فاضل في شباط الماضي، تأهيل 8 شركات متخصصة في الطاقة الشمسيَّة ضمن المرحلة الأولى من مبادرة البنك المركزي، والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء. كما تمَّ إطلاق مشروع جديدٍ لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائيَّة، وذلك تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.

وفي إطار سعيه لتطوير قطاع الطاقة، تفقد رئيس الوزراء ووزير النفط حيان عبد الغني في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر مشروع مدّ أنبوب نقل الغاز من المحموديَّة إلى محطة بسماية، الذي يهدف إلى توفير 800 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً لمواجهة أزمة الكهرباء. يأتي هذا المشروع ضمن حملة واسعة لتحسين منظومة الكهرباء في العراق، حيث أعلن السوداني خطة لتأهيل 323 محطة كهرباء جديدة وتوزيعها بين مختلف المحافظات بحلول صيف 2025.

في ما يتعلق بمصادر الطاقة المتجددة، أكد العديد من الخبراء، أهميَّة زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسيَّة في العراق، خصوصاً مع وجود خططٍ لإنتاج 12 ميغاواط من الطاقة الشمسيَّة بحلول العام 2030. كما يتوقع أنْ يسهمَ تصفير الغاز المصاحب واستخدامه لتوليد الكهرباء في تعزيز الاستقلاليَّة في مجال الطاقة.

في حديثه لـ"الصباح"، أكد الخبير في النفط والطاقة الدكتور صلاح الموسوي "أهميَّة تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة لما له من فوائد اقتصاديَّة كبيرة على العراق". وأوضح أنَّ "العراق يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على واردات الكهرباء والغاز من إيران، إذ تصل تكلفتها إلى نحو 5 مليارات دولار سنوياً، وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على الاقتصاد العراقي. وفي ظل التوقعات المستقبليَّة بهبوط أسعار النفط، فإنَّ العراق سيكون أمام تحدٍ أكبر في تأمين هذه الواردات، الأمر الذي يهدد استقرار قطاع الطاقة في البلاد. ولذلك تعمل الحكومة على إطلاق مشاريع مختلفة تهدف إلى تحسين منظومة الطاقة المحليَّة وتطويرها لتلبية احتياجات البلاد بشكلٍ كامل".

الجدير بالذكر أنَّ العراق يمتلك خامس أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم، بحدود 145 مليار برميل، أي ما يعادل 8 % من الاحتياطي الإجمالي العالمي، في حين يحتل المرتبة الـ 12 باحتياطات الغاز العالميَّة، وذلك بحدود 131 تريليون قدم مكعب، وذلك وفقاً لموقع "بيتروليوم إيكونوميست" البريطاني.

كما أشار الموسوي إلى أنَّ "مصادر الطاقة المتجددة في البلاد تمثل قوة محتملة في ظل وجود خططٍ لإنتاج 12 ميغاواط من الطاقة الشمسيَّة بحلول العام 2030".

هذا ويركز العراق على استغلال الغاز المصاحب للنفط كأحد المحاور الأساسيَّة لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة. مستشار رئيس الوزراء المالي الدكتور مظهر محمد صالح، أوضح في تصريح لـ"الصباح"، أنَّ "العراق يخطط لاستغلال الغاز المصاحب في توليد الكهرباء عبر عمليات عزلٍ مناسبة لهذا الغاز. هذا المشروع، الذي يُتوقع أنْ يكتمل خلال السنتين المقبلتين، سيمكن العراق من توجيه الغاز المصاحب إلى محطات توليد الكهرباء بدلًا من حرقه أو هدره".

وأيضًا، شدد صالح على أنَّ "الطاقة الشمسيَّة تمثل أحد الحلول المستدامة لتغطية احتياجات الطاقة المتزايدة في العراق. إذ يمتلك العراق إمكانيات كبيرة للاستفادة من هذه الطاقة المتجددة، الأمر الذي يمكنه من تقليل الضغط على المصادر التقليديَّة للطاقة، فضلاً عن ذلك، يمكن أنْ تصبحَ الطاقة الشمسيَّة مصدراً مهمَّاً للطاقة في المناطق الريفيَّة والقرى التي قد تفتقر إلى الِبْنية التحتيَّة المناسبة، وقد نجح العراق في تصنيع بعض الأجزاء الخاصة بالطاقة الشمسيَّة التي تمَّ استخدامها في بعض الوحدات السكنيَّة والمرافق الحكوميَّة، وهو ما يعكس التوجه نحو تعزيز استخدام الطاقة الشمسيَّة بشكلٍ أكبر".

من جانبه، أكد خبير الطاقة دريد عبد الله أنَّ "الاستقلال في مجال الطاقة يعدُّ خطوة مهمَّة نحو تحقيق الاستقلال السياسي للعراق".

وأضاف: "كلما زادت قدرة العراق على تلبية احتياجاته من الطاقة من مصادر محليَّة، زاد بذلك استقلاله عن التأثيرات الخارجيَّة التي قد تُمارسُ عليه في هذا القطاع الحيوي". ورأى عبد الله أنَّ "العراق بحاجة إلى استراتيجيَّة طاقة واضحة تشمل تطوير مصادر الطاقة التقليديَّة والجديدة، وهذه الاستراتيجيَّة يجب أنْ يتمَّ تبنيها من الحكومات المتعاقبة لضمان استدامة هذه المشاريع وضمان عدم التأثيرات السلبيَّة في النمو المستدام للقطاع".

في السياق نفسه، تناول مدير قسم العلاقات والإعلام في الشركة العامة لتوزيع كهرباء بغداد سلام سلمان الازيرجاوي "الجهود المبذولة لتطوير قطاع الكهرباء في العراق"، إذ أشار إلى أنَّ "العراق يعملُ على تنفيذ مشاريع ضخمة لفك اختناقات الكهرباء، وتوسيع شبكة التوزيع في العديد من المناطق". وأوضح أنَّ "وزارة الكهرباء وجهت بتأمين جميع المواد اللازمة لإنجاز المشاريع، مثل القابلوات، لضمان تحقيق أهداف خطة 2025. من أبرز هذه المشاريع إضافة محطات كهرباء مسبقة الصنع في مختلف مناطق بغداد والمحافظات، فضلاً عن محطات متنقلة لضمان تحسين التغطية الكهربائيَّة في المناطق التي تعاني من مشكلات في توفير الكهرباء".

وأشار الازيرجاوي أيضًا إلى أنَّ "وزارة الكهرباء تعملُ على إتمام مشاريع محطات كهرباء جديدة وابتكار حلولٍ لتلبية احتياجات المواطنين مع حلول الصيف، وهو الموسم الذي يشهد عادة زيادة في الطلب على الكهرباء".

ورغم هذه الجهود، أشار الخبير الاقتصادي صالح الهماش، إلى أنَّ "مشكلة الكهرباء في العراق تظل معقدة للغاية، رغم أنَّ البلاد تمتلك جميع المقومات التي تؤهلها لتطوير هذا القطاع بشكلٍ كبير".

وأوضح أنَّ "العراق يمتلك مخزوناتٍ ضخمة من الوقود والطاقة، فضلاً عن الأموال اللازمة لتطوير هذا القطاع، لكنَّ المشكلة تكمنُ في إدارة القطاع، التي تعاني من سوء التخطيط". وأضاف الهماش أنَّ "وزارة الكهرباء تعدُّ من الوزارات التي تتصارع عليها الأحزاب السياسيَّة، ما يعرقل تنفيذ المشاريع بشكلٍ فعال". كما أشار إلى أنَّ "التحديات المتعلقة بتطوير القطاع تشمل عدم حسم المسائل المتعلقة بالمواصفات الفنيَّة للمحطات، وكذلك غياب المراكز التدريبيَّة المتخصصة التي من شأنها تطوير كفاءات العاملين في قطاع الكهرباء".

في ما يخص تأثير العلاقات الخارجيَّة في قطاع الطاقة، أشار مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجيَّة، فرهاد علاء الدين، إلى أنَّ "صادرات العراق من النفط الخام والطاقة ليست مشمولة بالرسوم الجمركيَّة التي فرضتها إدارة ترامب مؤخرًا على بعض الدول المنتجة للطاقة".

ورغم التوترات السياسيَّة التي قد تحدث بسبب السياسات الأميركيَّة، فإنَّ علاء الدين أكد أنَّ "الشراكة الاستراتيجيَّة بين العراق والولايات المتحدة تظلُّ ثابتة وقويَّة". كما أكد أنَّ "العراق يواصل التزامه بتعميق التعاون في مختلف القطاعات مع الولايات المتحدة، ومنها قطاع الطاقة، الأمر الذي يسهمُ في استقرار هذا القطاع الحيوي".