أسواق وسياسات

قضايا عربية ودولية 2025/04/08
...

علي حسن الفواز

ما يجري في العالم يُنذر بصراع مفتوح، ويهدد بصياغة نظام دولي جديد، لا أسلحة له سوى الأسواق، والبنوك، ولا ضحايا له سوى الشعوب التي تأكل من أوهامها. بين هذا وذاك، ستتم استعادة ما هو أيديولوجي في أطروحة فوكوياما عن «الإنسان الأخير»، وأطروحة هنتنغتون عن «صدام الحضارات»، وربما أطروحة بريجنسكي عن «رقعة الشطرنج»، وبما يجعل هذه الاستعادات وكأنها أدوات فرجة سياسية واقتصادية وثقافية، صالحة للترويج عن إعلانات «واقعية سحرية»، أراد منها الرئيس الأميركي دونالد ترامب التلويح بقدرة الولايات المتحدة على صناعة ذلك الإنسان السوبرمان، وعلى إدارة ذلك الصدام، والتصرف بشطارة إزاء رقعة الشطرنج.

إجراءات الرسوم الجمركية، والحديث عن حرب الجغرافيا، وعن اتفاقيات محتملة مع إيران وروسيا، هي بعض ملامح هذا النظام، وباتجاهٍ يضع السياسة في خدمة التجارة، وترشيح الرئيس ترامب ليكون التاجر العالمي الذي يريد أن يفرض سيطرته على النظام العالمي، وهذا بلا شك يتطلب معرفة بأسرار تلك الأسواق، والقدرة على التحكّم بأسعار الطاقة والصواريخ واليورانيوم والسيارات، وربما سيشمل ذلك أسعار الملابس الداخلية وطواقم الماكياج والمكسرات وغيرها.

لقد فرضت صدمة الرسوم تأثيرها على الجميع، ودفعت البعض لمواجهة ذلك من خلال إجراءات ضدية باردة، لأن ما تداعى من وقع تلك الصدمة لم يكن سهلا على الدول الريعية، ولا على منظوماتها الاقتصادية، فهبوط أسعار النفط، وتعثر أسواق البورصات والعملات، وانهيار الأسهم، ستجعلها أمام مشكلات بنيوية معقدة، وهو ما سيدفعها إلى الوقوع في مشكلات سياسية دولية وإقليمية، وإلى مواجهة مشكلات داخلية من الصعب السيطرة على إيقاعها، فضلا عن صعوبة اتخاذها إجراءات تخصّ أمنها الستراتيجي، وتأمين طاقتها على التحمّل، والخوف من التورط في لعبة «الشطرنج المقبلة» التي ستفرض توجهاتها على الكثيرين، فعالم البيادق لن يكون مكشوفا، لكن شطارة اللاعبين هي التي تقود صناعة سرديات عابرة للأيديولوجيا، وداخلة في منظومة الأسواق والبنوك، وفي خفايا القابضين على أسرارها، وباتجاه يفرض شروطه من خلال فرض سلسلة من الاحتكارات والإجراءات، ومن السياسات التي تتحول إلى أدوات قهرية لفرض نظرية «البطل العالمي» بوصفها صياغة رومانسية لفكرة «الإنسان الأيديولوجي الأخير»، المسؤول عن المجاهرة بموت تاريخ الأيديولوجيا والبدء بكتابة تاريخ الأسواق العالمية 

والشركات العابرة للقارات.

ما جرى، وما سيجري في هذا العالم، لن يكون بعيدا عما يجري في الشرق الأوسط، ومن عدوان صهيوني مفتوح على غزة وجنوب لبنان واليمن، وهي فضاءات ما زال بعضها يتغذى بتاريخ الأيديولوجيا، وبمواقف رافضة لمشروع المركزية التي جعلها الرئيس ترامب خيارا لسياسته الرئاسية في ترسيم حدود النظام العالمي  الجديد.